تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : الأمور الخفية فيهما ، التي تخفى على الخلق ، كالذي في لجج البحار ، ومهامه القفار ، وما جنه الليل أو واراه النهار ، يعلم قطرات الأمطار ، وحبات الرمال ، ومكنونات الصدور ، وخبايا الأمور .

{ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }

{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يحصي عليكم أعمالكم ، ويوفيكم إياها ، ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة ، وحكمته البالغة .

ختام السورة:

تم تفسير سورة الحجرات

بعون الله ومنه وجوده وكرمه ،

فلك اللهم من الحمد أكمله وأتمه ،

ومن الجود أفضله وأعمه{[1]}


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب ، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه ، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وجنده ، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم ، فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم ، وتحدّثون به أنفسكم ، ويعلم ما غاب عنكم ، فاستسرّ في خبايا السموات والأرض ، لا يخفى عليه شيء من ذلك واللّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ يقول : والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها ، أجهرا تعملون أم سرّا ، طاعة تعملون أو معصية ؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ وكُفُؤه .

وإنْ في قوله : يَمُنّوا عَلَيْكَ أنْ أسْلَمْوا في موضع نصب بوقوع يمنون عليها ، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله «يَمُنّونَ عَلَيْكَ إسْلامَهُمْ » ، وذلك دليل على صحة ما قلنا ، ولو قيل : هي نصب بمعنى : يمنون عليك لأن أسلموا ، لكان وجها يتجه . وقال بعض أهل العربية : هي في موضع خفض . بمعنى : لأن أسلموا .

وأما أن التي في قوله : بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لأن معنى الكلام : بل الله يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

{ إن الله يعلم غيب السموات والأرض } ما غاب فيهما . { والله بصير بما تعملون } في سركم وعلانيتكم فكيف يخفى عليه ما في ضمائركم ، وقرأ ابن كثير بالياء لما في الآية من الغيبة .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ سورة الحجرات أعطي من الأجر بعدد من أطاع الله وعصاه " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

ذُيِّل تقويمُهم على الحق بهذا التذييل ليعلموا أن الله لا يُكتم ، وأنه لا يُكذَب ، لأنه يعلم كُلَّ غائبة في السماء والأرض فإنهم كانوا في الجاهلية لا تخطر ببال كثير منهم أصول الصفات الإلهية . وربما علمها بعضهم مثل زهير في قوله :

فلا تكتمُنّ الله ما في نفوسكم *** ليَخفى فَمَهْمَا يُكْتم الله يعلَم

ولعل ذلك من آثار تنصره .

وتأكيد الخبر ب { إن } لأنهم بحال من ينكر أن الله يعلم الغيب فكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم مع علمهم أنه مرسل من الله فكان كذبهم عليه مثل الكذب على الله .

وقد أفادت هذه الجملة تأكيد مضمون جملتي { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ، والله بكل شيء عليم } [ الحجرات : 16 ] ولكن هذه زادت بالتصريح بأنه يعلم الأمور الغائبة لئلا يتوهم متوهم أن العمومين في الجملتين قبلها عمومان عرفيان قياساً على عِلم البشر .

وجملة { والله بصير بما تعملون } معطوف على جملة { إن الله يعلم غيب السماوات والأرض } عطف الأخص على الأعم لأنه لما ذكر أنه يعلم الغيب وكان شأن الغائب أن لا يُرى عطف عليه علمه بالمبصرات احتراساً من أن يتوهّموا أن الله يعلم خفايا النفوس وما يجول في الخواطر ولا يعلم المشاهدات نظير قول كَثير من الفلاسفة : إنّ الخالق يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات ، ولهذا أوثر هنا وصف { بصير } . وقرأ الجمهور { بما تعملون } بتاء الخطاب ، وقرأه ابن كثير بياء الغيبة .