واختلف الناس في { الحسنى } ما هي في هذه السورة ، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره : هي لا إله إلا الله ، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة : هي الخلف الذي وعد الله تعالى به ، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما : اللهم اعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً{[11860]} ، وقال مجاهد والحسن وجماعة : { الحسنى } : الجنة ، وقال كثير من المفسرين { الحسنى } : الأجر والثواب مجملاً
والحُسنى : تَأنيث الأحسن فهي بالأصالة صفَة لموصوف مقدر ، وتأنيثها مشعر بأن موصوفها المقدر يعتبر مؤنث اللفظ ويحتمل أموراً كثيرة مثل المثوبة أو النصر أو العدة أو العاقبة .
وقد يصير هذا الوصف علماً بالغلبة فقيل : الحسنى الجنة ، وقيل : كلمة الشهادة ، وقيل : الصلاة ، وقيل : الزكاة . وعلى الوجوه كلها فالتصديق بها الاعتراف بوقوعها ويكنى به عن الرغبة في تحصيلها .
وحاصل الاحتمالات يحوم حول التصديق بوعد الله بما هو حسن من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف فيرجع هذا التصديق إلى الإيمان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ وصدق بالحسنى } يقول بعِدَة الله عز وجل أن يخلفه في الآخرة خيرا ، إذا أعطى في حق الله عز وجل...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : "وَصَدّقَ بالْحُسْنَى"؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : وصدّق بالخلف من الله ، على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بأن الله واحد لا شريك له ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بالجنة ...
وقال آخرون : بل معناه : وصدق بموعود الله ...
وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وأولاها بالصواب عندي : قول من قال : عُنِي به التصديق بالخَلَف من الله على نفقته .
وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخَلَف منها ، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخَلَف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه ، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد... حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا عَبّاد بن راشد ، عن قتادة قال : ثني خُلَيد العَصْرِيّ ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ ، إلاّ وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّهِ كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَينِ : اللّهُمّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا ، وأعْطِ مُمْسِكا تَلَفا » فأنْزَلَ اللّهُ فِي ذلك القرآن "فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى..." إلى قوله "لِلْعُسرَى" .
وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والحسنى: النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها ، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها . ...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
فِي الْمُخْتَارِ : كُلُّ مَعْنًى مَمْدُوحٍ فَهُوَ حُسْنَى ، وَكُلُّ عَمَلٍ مَذْمُومٍ فَهُوَ سُوأَى وَعُسْرَى ، وَأَوَّلُ الْحُسْنَى التَّوْحِيدُ ، وَآخِرُهُ الْجَنَّةُ ؛ وَكُلُّ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حُسْنَى ، وَأَوَّلُ السُّوأَى كَلِمَةُ الْكُفْرِ ، وَآخِرُهُ النَّارُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَهُوَ مِنْهُمَا وَمُرَادٌ بِاللَّفْظِ الْمُعَبِّرِ عَنْهُمَا . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وصدق } أي أوقع التصديق للمخبر { بالحسنى } أي وهي كلمة العدل التي هي أحسن الكلام من التوحيد وما يتفرع عنه من الوعود الصادقة بالآخرة والإخلاف في النفقة في الدنيا وإظهار الدين وإن قل أهله على الدين كله ، وغير ذلك من كل ما وعد به الرسول صلى الله عليه وسلم سبحانه وتعالى ، ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وصدق بهذه العقيدة التي إذا قيل( الحسنى )كانت اسما لها وعلما عليها . والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وحاصل الاحتمالات يحوم حول التصديق بوعد الله بما هو حسن من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف، فيرجع هذا التصديق إلى الإيمان . ويتضمن أنه يعمل الأعمال التي يحصل بها الفوز بالحسنى . ولذلك قوبل في الشق الآخر بقوله : { وكذب بالحسنى } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.