{ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } أي : هلا جاء الرامون على ما رموا به ، بأربعة شهداء أي : عدول مرضيين . { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك ، فإنهم كاذبون في حكم الله ، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك ، من دون أربعة شهود ، ولهذا قال : { فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ } ولم يقل " فأولئك هم الكاذبون " وهذا كله ، من تعظيم حرمة عرض المسلم ، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه ، من دون نصاب الشهادة بالصدق .
ثم وصف - سبحانه - الخائضين فى حديث الإفك بالكذب لأنهم قالوا قولا بدون دليل ، فقال : { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } أى : وما داموا لم يأتوا بهم - ولن يأتوا بهم - { فأولئك عِندَ الله } أى : فى حكمه - سبحانه - وفى شريعته { هُمُ الكاذبون } كذبا قبيحا تشمئز منه النفوس ، ويسجل عليهم الخزى والعار إلى يوم القيامة .
والضمير في قوله : { جاؤوا } لأولئك الذين تولوا الكبر ، وإذا كانوا عند الله كذبة فهي الحقيقة فيهم ، وعند هذا حدوا ، ولم يرو في شهير الدواوين أَن عبد الله بن ُأَبِّي ُحَّد ، ويشبه أن ذلك لأَنه لم تقم عليه بالمقالة بينة لنفاقه وتستره ، وإنما كان يخوض فيه مع من يذيعه ولا يسأل عن شهادته كما قال عروة في البخاري : ‹أخبرت أَنه كان يقره ويستمعه ويستوشيه›
قال الفقيه الإمام القاضي : ولكن النبي عليه السلام استعذر منه على المنبر ووقذه بالقول ووقع في أمره بين الأوس والخزرج ما هو مطول في مسلم في جملة حديث الإفك{[8637]} .
استئناف ثان لتوبيخ العُصبة الذين جاءوا بالإفك وذم لهم . و ( لولا ) هذه مثل ( لولا ) السابقة بمعنى ( هلا ) .
والمعنى : أن الذي يخبر خبراً عن غير مشاهدة يجب أن يستند في خبره إلى إخبار مشاهد ، ويجب كون المشاهدين المخبرين عدداً يفيد خبرهم الصدق في مثل الخبر الذي أخبروا به ؛ فالذين جاءوا بالإفك اختلقوه من سوء ظنونهم فلم يستندوا إلى مشاهدة ما أخبروا به ولا إلى شهادة من شاهدوه ممن يقبل مثلهم فكان خبرهم إفكاً . وهذا مستند إلى الحكم المتقرر من قبل في أول السورة بقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } [ النور : 4 ] فقد علمت أن أول سورة النور نزل أواخر سنة اثنتين أو أوائل سنة ثلاث قبل استشهاد مرثد بن أبي مرثد .
وصيغة الحصر في قوله : { فأولئك عند الله هم الكاذبون } للمبالغة كأن كذبهم لقوته وشناعته لا يعد غيرهم من الكاذبين كاذباً فكأنهم انحصرت فيهم ماهية الموصوفين بالكذب .
واسم الإشارة لزيادة تمييزهم بهذه الصفة ليحذر الناس أمثالهم .
والتقييد بقوله : { عند الله } لزيادة تحقيق كذبهم ، أي هو كذب في علم الله فإن علم الله لا يكون إلا موافقاً لنفس الأمر . وليس المراد ما ذكره كثير من المفسرين أن معنى { عند الله } في شرعه لأن ذلك يصيره قيداً للاحتراز . فيصير المعنى : هم الكاذبون في إجراء أحكام الشريعة . وهذا ينافي غرض الكلام ويجافي ما اقترن به من تأكيد وصفهم بالكذب ؛ على أن كون ذلك هو شرع الله معلوم من قوله : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلودهم ثمانين جلدة } [ النور : 4 ] إلى قوله : { فأولئك عند الله هم الكاذبون } . فمسألة الأخذ بالظاهر في إجراء الأحكام الشرعية مسألة أخرى لا تؤخذ من هذه الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.