تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (19)

{ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } لأنه قدر أمرا ليس في طوره ، وتسور على ما لا يناله هو و [ لا ] أمثاله .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (19)

وقوله - سبحانه - : { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } تعجيب من تفكيره وتقديره ، وذم شديد له على هذا التفكير السَّيِّئ . .

أى : إنه فكر مليا ، وهيأ نفسه طويلا للنطق بما يقوله فى حق الرسول صلى الله عليه وسلم وفى قح القرآن ، { فقتل } أى : فلعن ، أو عذب ، وهو دعاء عليه { كَيْفَ قَدَّرَ } أى : كيف فكر هذا التفكير العجيب البالغ النهاية فى السوء والقبح .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (19)

فقتل كيف قدر تعجب من تقديره استهزاء به أو لأنه أصاب أقصى ما يمكن أن يقال عليه من قولهم قتله الله ما أشجعه أي بلغ في الشجاعة مبلغا يحق أن يحسد ويدعو عليه حاسده بذلك روي أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ حم السجدة فأتى قومه وقال لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس والجن إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن اسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى فقالت قريش صبا الوليد فقال ابن أخيه أبو جهل أنا أكفيكموه فقعد إليه حزينا وكلمه بما أحماه فناداهم فقال تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يخنق وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعرا فقالوا لا فقال ما هو إلا ساحر أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه ففرحوا بقوله وتفرقوا عنه متعجبين منه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (19)

وقوله تعالى مخبراً عن الوليد { إنه فكر وقدر } الآية ، روى جمهور المفسرين أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه ، ثم سمع كذلك مراراً حتى كاد أن يقارب الإسلام ، ودخل إلى أبي بكر الصديق مراراً ، فجاءه أبو جهل فقال : يا وليد ، أشعرت أن قريشاً قد ذمتك بدخولك إلى ابن أبي قحافة وزعمت أنك إنما تقصد أن تأكل طعامه ، فقد أبغضتك لمقاربتك أمر محمد ، وما يخلصك عندهم إلا أن تقول في هذا الكلام قولاً يرضيهم ، ففتنه أبو جهل فافتتن ، وقال : افعل ذلك ثم فكر فيما عسى أن يقول في القرآن ، فقال : أقول شعر ما هو بشعر ، أقول هو كاهن ؟ ما هو بكاهن ، أقول هو { سحر يؤثر } هو قول البشر{[11424]} ، أي لبس منزل من عند الله قال أكثر المفسرين .

فقوله تعالى : { فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر } هو دعاء عليه وتقبيح لحاله أي أنه ممن يستحق ذلك .

وروي عن الزهري وجماعة غيره أو الوليد حاج أبا جهل وجماعة من قريش في أمر القرآن وقال : والله إن له لحلاوة وإن أصله لعذق{[11424]} وإن فرعه لجناة{[2]} وإنه ليحطم ما تحته وإنه ليعلو ولا يعلى ونحو هذا من الكلام فخالفوه فقالوا له : هو شعر ، فقال والله ما هو بشعر ، ولقد عرفنا الشعر هزجه وبسيطه{[3]} ، قالوا : فهو كاهن ، قال والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهان وزمزمتهم{[4]} ، قالوا : هو مجنون ، قال : والله ما هو بمجنون ، ولقد رأينا المجنون وخنقه{[5]} ، قالوا : هو سحر ، قال أما هذا فيشبه أنه سحر ويقول أقوال نفسه{[6]} .

قال القاضي أبو محمد : فيحتمل قوله تعالى : { فقتل كيف قدر } أن يكون دعاء عليه على معنى تقبيح حاله ، ويحتمل أن يكون دعاء مقتضاه استحسان منزعه{[7]} الأول ومدحه القرآن ، وفي نفيه الشعر والكهانة والجنون عنه فيجري هذا مجرى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي جندل بن سهيل : «ويل أمه مسعر حرب »{[8]} ، ومجرى قول عبد الملك بن مروان : قاتل الله كثيراً كأنه رآنا حين قال كذا{[9]} ، وهذا معنى مشهور في كلام العرب .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.
[4]:- هو أبو هاشم المكي الليثي، وردت الرواية عنه في حروف القرآن، يروي عن أبيه ابن عمر.
[5]:- من الآية رقم (7) من سورة آل عمران.
[6]:- رواه الترمذي وصححه، والإمام أحمد ولفظه: (الحمد لله أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني)، وهذا الحديث يرد على القولين معا.
[7]:- رواه الإمام أحمد، والترمذي وصححه، والنسائي، ونص الترمذي: (والذي نفسي بيده ما أنزلت في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها. وإنها السبع من المثاني، والقرآن العظيم الذي أعطيته)، وقد يكون هذا الحديث سندا لما اعتاده الناس من قراءة الفاتحة، وقد أخرج أبو الشيخ في الثواب عن عطاء قال: إذا أردت حاجة فاقرأ فاتحة الكتاب حتى تختمها تقض إن شاء الله، نقله الجلال السيوطي. وللغزالي في الانتصار ما نصه: فاستنزل ما عند ربك وخالقك من خير، واستجلب ما تؤمله من هداية وبر، بقراءة السبع المثاني المأمور بقراءتها في كل صلاة، وتكرارها في كل ركعة، وأخبر الصادق المصدوق أن ليس في التوراة ولا في الإنجيل والفرقان مثلها، قال الشيخ زروق: وفيه تنبيه بل تصريح أن يكثر منها لما فيها من الفوائد والذخائر. انتهى.
[8]:- رواه عبد الله بن حميد في مسنده، والفريابي في تفسيره عن ابن عباس بسند ضعيف.
[9]:- من الناس من يذهب إلى أن هذا من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، قال ابن عبد البر: السكوت في هذه المسألة أفضل من الكلام وأسلم. وحديث : (قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن) رواه الإمام مالك في الموطأ، والبخاري، والترمذي، وروى الترمذي عن أنس وابن عباس قالا: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن). ومن الناس من يؤول ذلك باعتبار المعاني التي تشتمل عليها، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى هذين القولين، ويشير بذلك إلى أنه لا تفاضل بين كلام الله لأنه صفة ذاتية، وإنما التفاضل في المعاني باعتبار الأجر والثواب. والله أعلم.
[11424]:ذكره الواحدي بسنده في "أسباب النزول" عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وأخرجه ابن جرير في تفسيره، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل.

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَقُتِلَ كَيۡفَ قَدَّرَ} (19)

وقوله : { فقُتل كيف قدّر } كلام معترض بين { فكّر وقدّر } وبين { ثم نظر } وهو إنشاء شتم مفرع على الإِخبار عنه بأنه فكر وقدّر لأن الذي ذكر يوجب الغضب عليه .

فالفاء لتفريع ذمه عن سيّىء فعله ومثله في الاعتراض قوله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر } [ النحل : 43 ، 44 ] .

والتفريع لا ينافي الاعتراض لأن الاعتراض وضع الكلام بين كلامين متصلين مع قطع النظر عما تألف منه الكلام المعترض فإن ذلك يجري على ما يتطلبه معناه . والداعي إلى الاعتراض هو التعجيل بفائدة الكلام للاهتمام بها . ومن زعموا أن الاعتراض لا يكون بالفاء فقد توهموا .

و { قُتِل } : دعاء عليه بأن يقتله قَاتل ، أي دعاء عليه بتعجيل مَوته لأن حياته حياة سيئة . وهذا الدعاء مستعمل في التعجيب من ماله والرثاءِ له كقوله : { قاتلهم الله } [ التوبة : 30 ] وقولهم : عَدِمْتُك ، وثَكلتْه أُمُّه ، وقد يستعمل مثله في التعجيب من حسن الحال يقال : قاتله الله ما أشجعه . وجعله الزمخشري كناية عن كونه بلغ مبلغاً يحسده عليه المتكلم حتى يتمنى له الموت . وأنا أحسب أن معنى الحسد غير ملحوظ وإنما ذلك مجرد اقتصار على ما في تلك الكلمة من التعجب أو التعجيب لأنها صارت في ذلك كالأمثال . والمقام هنا متعين للكناية عن سوء حاله لأن ما قَدره ليس مما يَغتبط ذوو الألباب على إصابته إذ هو قد ناقض قوله ابتداء إذ قال : ما هو بعَقْدِ السحرة ولا نفثهم وبَعد أن فكّر قال : { إن هذا إلاّ سحر يؤثر } فناقض نفسه .