ثم ساق - سبحانه - ما هو أشد فى العتاب وفى التحذير فقال : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ }
أى : كلا - أيها الرسول الكريم - ليس الأمر كما فعلت ، من إقبالك على زعماء قريش طمعا فى إسلامهم ، ومن تشاغلك وإعراضك عمن جاء يسعى وهو يخشى الضمير فى قوله { إنها } يعود إلى آيات القرآن الكريم ، أى : إن آيات القرآن الكريم لمشتملة على التذكير بالحق ، وعلى الموعظة الحكيمة التى ينبغى على كل عاقل أن يعمل بموجبها ، وأن يسير بمقتضاها .
القول في تأويل قوله تعالى : { كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ * فَي صُحُفٍ مّكَرّمَةٍ * مّرْفُوعَةٍ مّطَهّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ * قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } .
يقول تعالى ذكره : كَلاّ ما الأمر كما تفعل يا محمد ، من أن تعبِس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى ، وتتصدّى لمن استغنى إنّها تَذْكِرَةٌ يقول : إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة يقول : عظة وعبرة فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ يقول : فمن شاء من عباد الله ذكره ، يقول : ذكر تنزيل الله ووحيه ، والهاء في قوله «إنّها » للسورة ، وفي قوله «ذَكَرَهُ » للتنزيل والوحي في صحف يقول إنها تذكرة فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهّرَةٍ يعني في اللوح المحفوظ ، وهو المرفوع المطهّر عند الله .
إبطال وقد تقدم ذكر ( كلاّ ) في سورة مريم ( 79 82 ) ، وتقدم قريباً في سورة النبأ ( 4 ، 5 ) ، وهو هنا إبطال لما جرى في الكلام السابق ولو بالمفهوم كما في قوله : { وما يدريك لعله يزكى } [ عبس : 3 ] . ولو بالتعريض أيضاً كما في قوله : { عبس وتولى } [ عبس : 1 ] .
وعلى التفسير الثاني المتقدم ينصرف الإِبطال إلى { عبس وتولى } خاصة .
ويجوز أن يكون تأكيداً لقوله : { وما عليك ألاَّ يزكى } [ عبس : 7 ] على التفسيرين ، أي لا تظن أنك مسؤول عن مكابرته وعناده فقد بلَّغت ما أمرتَ بتبليغه .
استئناف بعد حرف الإِبطال ، وهو استئناف بياني لأن ما تقدم من العتاب ثم ما عقبه من الإِبطال يثير في خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم الحيرة في كيف يكون العمل في دعوة صناديد قريش إذا لم يتفرغ لهم لئلا ينفروا عن التدبر في القرآن ، أو يثير في نفسه مخافة أن يكون قصَّر في شيء من واجب التبليغ .
وضمير { إنها } عائد إلى الدعوة التي تضمنها قوله : { فأنت له تصدى } [ عبس : 6 ] .
ويجوز أن يَكون المعنى : أن هذه الموعظة تذكرة لك وتنبيه لما غفلت عنه وليست ملاماً وإنما يعاتب الحبيبُ حبيبَه .
ويجوز عندي أن يكون { كلا إنها تذكرة } استئنافاً ابتدائياً موجهاً إلى من كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه قُبيل نزول السورة فإنه كان يَعرض القرآن على الوليد بن المغيرة ومَن معه ، وكانوا لا يستجيبون إلى ما دعاهم ولا يصدقون بالبعث ، فتكون ( كلاّ ) إبطالاً لما نَعتوا به القرآن من أنه أساطير الأولين أو نحوِ ذلك .
فيكون ضمير { إنها تذكرة } عائداً إلى الآيات التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم في ذلك المجلس ثم أعيد عليها الضمير بالتذكير للتنبيه على أن المراد آيات القرآن .
ويؤيد هذا الوجهَ قولُه تعالى عَقبه : { قتل الإنسان ما أكفره } [ عبس : 17 ] الآيات حيث ساق لهم أدلة إثبات البعث .
فكان تأنيث الضمير نكتةً خصوصية لتحميل الكلام هذه المعاني .
والضمير الظاهر في قوله : { ذكره } يجوز أن يعود إلى { تذكرة } لأن مَا صَدْقَها القرآن الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرضه على صناديد قريش قُبيل نزول هذه السورة ، أي فمن شاء ذكرَ القرآن وعمل به .
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الله تعالى فإن إعادة ضمير الغيبة على الله تعالى دون ذِكر معاده في الكلام كثير في القرآن لأن شؤونه تعالى وأحكامه نزل القرآن لأجلها فهو ملحوظ لكل سامع للقرآن ، أي فمن شاء ذكر الله وتوخّى مرضاته .
والذِكر على كلا الوجهين : الذكر بالقلب ، وهو توخّي الوقوف عند الأمر والنهي .
وتعدية فعل ( ذكر ) إلى ذلك الضمير على الوجهين على حذف مضاف يناسب المقام .
والذي اقتضى الإِتيانَ بالضمير وكونه ضمير مذكر مراعاةُ الفواصل وهي : { تذكرهْ ، مطهرهْ ، سفرهْ ، بررهْ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.