والفاء فى قوله : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ . . . } للتفريع على ما تقدم .
والخوض يطلق على السير فى الماء ، والمراد به هنا : الكلام الكثير الذى لا نفع فيه .
واللعب : اشتغال الإِنسان بشئ لا فائدة من ورائه . والمراد به هنا : استهزاؤهم بالحق الذى جاء به النبى صلى الله عليه وسلم .
أى : ما دام الأمر كما ذكرنا لك - أيها الرسول الكريم - فاترك هؤلاء الكافرين ، ليخوضوا فى باطلهم ، ويلعبوا فى دنياهم ، ولا تلتفت إليهم .
ودعهم فى هزلهم ولهوهم { حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ } وهو يوم القيامة الذى لا شك فى إتيانه ووقوعه .
تفريع على ما تضمنه قوله : { فما للذين كفروا قبلك مهطعين } [ المعارج : 36 ] من إرادتهم بفعلهم ذلك وقولهم : إننا ندخل الجنة ، الاستهزاءَ بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم وبعدَ إبطاله إجمالاً وتفصيلاً فرع عن ذلك أمر الله رسوله بتركهم للعِلم بأنهم لم يُجْدِ فيهم الهَديُ والاستدلال وأنهم مصرون على العناد والمناواة .
ومعنى الأمر بالترك في قوله : { فذرهم } أنه أمر بترك ما أهمّ النبي صلى الله عليه وسلم من عنادهم وإصرارهم على الكفر مع وضوح الحجج على إثبات البعث ولما كان أكبر أسباب إعراضهم وإصرارهم على كفرهم هو خوضهم ولعبهم كني به عن الإِعراض بقوله : { يخوضوا ويلعبوا .
فجملة { يخوضوا } وجملة { ويلعبوا } حالان من الضمير الظاهر في قوله : { فذرهم } . وتلك الحال قيد للأمر في قوله : { فذرهم } . والتقدير : فذر خوضهم ولعبهم ولا تحزن لعنادهم وإصرارهم .
وتعدية فعل ( ذَرْ ) إلى ضميرهم من قبيل توجه الفعل إلى الذات . والمراد توجهه إلى بعض أحوالها التي لها اختصاص بذلك الفعل ، مثل قوله تعالى : { حُرّمت عليكم الميتة } [ المائدة : 3 ] أي حرم عليكم أكلُها ، وقوله : { وأن تجمعوا بين الأختين } [ النساء : 23 ] أي أن تجمعُوهما معاً في عصمة نكاححِ والاعتماد في هذا على قرينة السياق كما في الآيتين المذكورتين وقوله تعالى : { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون } في سورة الطور ( 45 ) ، أو على ذكر ما يدل على حالة خاصة مثل قوله : يخوضوا ويلعبوا } في هذه الآية ، فقد يكون المقدر مختلفاً كما في قوله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [ المائدة : 90 ] إذ التقدير : فاجتنبوا شرب الخمر والتقامر بالميسر وعبادة الأَنصاب والاستقسام بالأزلام . }
وهذا الاستعمال هو المعنون في أصول الفقه بإضافة التحليل والتحريم إلى الأعيان ، أو إسناد التحريم والتحليل إلى الأعيان ، ولوضوح دلالة ذلك على المراد لم يَعُدّه جمهور علماء الأصول من قبيل المجمل خلافاً للكرخي وبعض الشافعية .
وقد يتوسل من الأمر بالترك إلى الكناية عن التحقير وقلة الاكتراث كقول كَبْشَةَ أختتِ عَمرو بن معديكرب تُلْهَب أخاها عمراً للأخذ بثأر أخيه عبد الله وكان قد قتل :
ودَعْ عنك عَمْراً اِنَّ عَمْراً مُسالم *** وهل بَطْنُ عَمرو غَيْرُ شِبْرٍ لمَطْعَم
وما في هذه الآية من ذلك الأسلوب أي لا تكترث بهم فإنهم دون أن تصرف همتك في شأنهم مثل قوله تعالى : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } [ فاطر : 8 ] .
وبهذا تعلم أن قوله تعالى : { فذرهم } لا علاقة له بحكم القتال ، ولا هو من الموادعة ولا هو منسوخ بآيات السيف كما توهمه بعض المفسرين .
والخوض : الكلام الكثير ، والمراد خوضهم في القرآن وشأن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين .
واللعب : الهزل والهُزْء وهو لعبهم في تلقي الدعوة الإِسلامية وخروجهم عن حدود التعقل والجِدّ في الأَمر لاستطارة رشدهم حسداً وغيظاً وحنقاً .
وجزم { يخوضوا ويلعبوا } في جواب الأمر للمبالغة في ارتباط خوضهم ولعبهم بقلة الاكتراث بهم إذ مقتضى جزمه في الجواب أن يقدر : أن تذرهم يَخوضوا ويلعبوا ، أي يستمروا في خوضهم ولعبهم وذلك لا يضيرك ، ومثل هذا الجزم كثير نحو { قُل للذين ءامنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليَجْزِيَ قوماً بما كانوا يكسبون } [ الجاثية : 14 ] ونحو { وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن } [ الإسراء : 53 ] . وبعض المفسرين والنحويين يجعل أمثاله مجزوماً بلام الأمر مقدرة على أن ذلك مقول القول وهو يفيت نكتة المبالغة .
و { حتى } متعلقة ب ( ذرهم ) لما فيه من معنى ، أمهلهم وانتظرهم ، فإن اليوم الذي وعدوه هو يوم النشور حين يجازَوْن على استهزائهم وكفرهم ، فلا يكون غاية ل { يخوضوا ويلعبوا } والغاية هنا كناية عن دوام تركهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.