تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَذَرۡهُمۡ يَخُوضُواْ وَيَلۡعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوۡمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ} (42)

الآية 42 وقوله تعالى : { فذرهم يخوضوا ويلعبوا } قال أبو بكر : الخائض المتحير ، واللاعب الخاطئ فقوله : { فذرهم } أي فدعم في ما هم من خطاياهم وتحيرهم في دينهم ، فكل من اشتغل بما لا يحتاج له فهو حائض لاعب .

وأصله أن يكون كل امرئ ، لا عاقبة له تحمد ، فهو [ في عمله ] لا عب لاه كقوله تعالى : { إنما الحياة الدنيا لعب ولهو } [ محمد : 36 ] أي من يعمل في الحياة الدنيا للدنيا لا للآخرة ، فهو لاعب لاه .

وكأن هذه الآية صلة قوله : { فمال الذين كفروا قبلك مهطعين } الآية 36 . ]

أمره بألا يشتغل بأولئك ، ويقبل على من يرجو منهم الإيمان ، أو أمره بألا يشتغل بمكافأتهم بسوء صنيعهم ، فإن الله سينصره عليهم ، ويكافئهم عنه .

وقوله تعالى : { حتى يلقوا يومهم الذي يوعدون } فد لاقوا ذلك اليوم ، وهو يوم بدر ، وسيلاقون اليوم الثاني ، وهو يوم الآخرة بتركهم الإجابة ، فيسارعون في ذلك اليوم إلى إجابة الداعي رجاء أن يتخلصوا من العذاب الذي حق عليهم بترك الإجابة ، وذلك لا ينفعهم ، وإن وجدت منهم التوبة والرجوع إلى{[22128]} تلك الإجابة ، لأن ذلك اليوم ليس بيوم تنفع فيه الندامة والتوبة .

وإنما هو يوم تجزى فيه كل نفس بما كسبت وهذا كقوله : { فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين } [ غافر : 84 ] .

فأخبر أنهم يفزعون إلى الإيمان بالله تعالى لما أيقنوا أنهم إنما حل بهم البأس بإعراضهم عن الإيمان ، ففزعوا عند إيقانهم بالعذاب إلى الإيمان رجاء أن يتخلصوا من العذاب ، فلم ينفعهم ذلك ، ولم يغنهم من عذاب الله شيء ، إذ ذلك الوقت ليس بوقت قبول التوبة . فيكون هذا تحريضا [ على الإسراع ]{[22129]} إلى إجابة الداعي والإيمان بما يدعوا إليه قبل أن يؤمنوا إيمانا ، لا ينفعهم . والله أعلم .


[22128]:في الأصل وم: عن
[22129]:في الأصل وم: بالإسراع.