تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

{ إن الله ربي وربكم فاعبدوه } استدل بتوحيد الربوبية الذي يقر به كل أحد على توحيد الإلهية الذي ينكره المشركون ، فكما أن الله هو الذي خلقنا ورزقنا وأنعم علينا نعما ظاهرة وباطنة ، فليكن هو معبودنا الذي نألهه بالحب والخوف والرجاء والدعاء والاستعانة وجميع أنواع العبادة ، وفي هذا رد على النصارى القائلين بأن عيسى إله أو ابن الله ، وهذا إقراره عليه السلام بأنه عبد مدبر مخلوق ، كما قال { إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا } وقال تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته } إلى قوله { ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم } وقوله { هذا } أي : عبادة الله وتقواه وطاعة رسوله { صراط مستقيم } موصل إلى الله وإلى جنته ، وما عدا ذلك فهي طرق موصلة إلى الجحيم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

ثم حكى القرآن أن عيسى - عليه السلام - قد قرر أن هذه المعجزات الباهرة لن تخرجه عن أن يكون عبداً لله مخلوقا له ، وأن من الواجب على الناس أن يعبدوا الله وحده ولا يشركوا به شيئاً فقال : { إِنَّ الله رَبِّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أى قال عيسى - عليه السلام - داعيا قومه إلى عبادة الله - تعالى - هو الذى خلقنى وخلقكم وهو الذى ربانى ورباكم ، وما دام الأمر كذلك فأخلصوا له العبادة فإن عبادته - سبحانه - وطاعته هي الطريق المستقيم الذى لا اعوجاج فيه ولا التباس .

وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت لنا بعض المعجزات التى أكرم الله بها عيسى - عليه السلام - كما حكت لنا بعض التوجيهات القويمة ، والإرشادات الحكمية التي نصح بها قومه لكى يسعدوا فى دنياهم وآخرتهم .

والآن ينساق الذهن إلى سؤال هو : ماذا كان موقف بنى إسرائيل منه بعد أن جاءهم بما جاءهم به من بينات وهدايات ؟

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

{ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } أي : أنا وأنتم سواء في العبودية له والخضوع والاستكانة إليه { هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُم بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وبأني قد جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة ، ولذلك نصب «مصدّقا » على الحال من جئتكم . والذي يدلّ على أنه نصب على قوله وجئتكم دون العطف على قوله : «وجيها » ، قوله : { لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } ولو كان عطفا على قوله : «وجيها » ، لكان الكلام : ومصدّقا لما بين يديه من التوراة ، وليحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم . وإنما قيل : { ومُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } لأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمنا بالتوراة مقرّا بها ، وأنها من عند الله ، وكذلك الأنبياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله ، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك ، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملاً بالتوراة ، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشدّدا عليهم فيها . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن عيسى كان على شريعة موسى صلى الله عليه وسلم ، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس ، فقال لبني إسرائيل : إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم ، وأضع عنكم من الاَصار .

حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان قد حرّم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب ، وأشياء من الطير والحيتان .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى ، قال : وكان حرّم عليهم فيما جاء به موسى من التوراة لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى ، وحرّمت عليهم الشحوم ، وأحلت لهم فيما جاء به عيسى ، وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير مما لا صِيصِيَةَ له ، وفي أشياء حرّمها عليهم ، وشدّدها عليهم ، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل ، فكان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى ، صلوات الله عليه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : لحوم الإبل والشحوم لما بعث عيسى أحلها لهم ، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرّقوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } أي لما سبقني منها ، { ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أي أخبركم أنه كان حراما عليكم ، فتركتموه ، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم ، فتصيبون يسره وتخرجون من تِبَاعته .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : { وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان حرّم عليهم أشياء ، فجاءهم عيسى ليحلّ لهم الذي حرّم عليهم ، يبتغي بذلك شكرهم .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجِئْتُكُمْ بآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } .

يعني بذلك : وجئتكم بحجة وعبرة من ربكم ، تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم .

كما : حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } قال : ما بيّن لهم عيسى من الأشياء كلها ، وما أعطاه ربه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } : ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها .

ويعني بقوله : { مِنْ رَبّكُمْ } : من عند ربكم .

القول في تأويل قوله تعالى : { فاتّقُوا اللّهَ وأطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } .

يعني بذلك : وجئتكم بآية من ربكم ، تعلمون بها يقينا صدقي فيما أقول ، فاتقوا الله يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ، ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى فأوفوا بعهده الذي عاهدتموه فيه ، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم ، ربي وربكم فاعبدوه ، فإنه بذلك أرسلني إليكم ، وبإحلال بعض ما كان محرّما عليكم في كتابكم ، وذلك هو الطريق القويم ، والهدى المتين الذي لا اعوجاج فيه .

كما : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فاتّقُوا اللّهَ وَأطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ } تبريا من الذي يقولون فيه ، يعني ما يقول فيه النصارى واحتجاجا لربه عليهم ، فاعبدوه ، و{ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أي الذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به .

واختلفت القراء في قراءة قوله : { إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } بكسر ألف «إنّ » على ابتداء الخبر ، وقرأه بعضهم : «أنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ » بفتح ألف «أن » بتأويل : وجئتكم بآية من ربكم أن الله ربي وربكم ، على ردّ أن على الاَية ، والإبدال منها .

والصواب من القراءة عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وذلك كسر ألف «إن » على الابتداء ، لإجماع الحجة من القراء على صحة ذلك ، وما اجتمعت عليه فحجة ، وما انفرد به المنفرد عنها فرأي ، ولا يعترض بالرأي على الحجة . وهذه الاَية ، وإن كان ظاهرها خبرا ، ففيه الحجة البالغة من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم على الوفد الذين حاجوه من أهل نجران بإخبار الله عزّ وجلّ ، عن أن عيسى كان بريئا مما نسبه إليه من نسبه ، غير الذي وصف به نفسه ، من أنه لله عبد كسائر عبيده من أهل الأرض إلا ما كان الله جل ثناؤه خصه به من النبوّة والحجج التي آتاه دليلاً على صدقه ، كما آتى سائر المرسلين غيره من الأعلام والأدلة على صدقهم ، والحجة على نبوّتهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

وقرأ جمهور الناس { إن الله ربي وربكم } بكسر الألف على استئناف الخبر ، وقرأه قوم «أن الله ربي وربكم » «بفتح الألف قال الطبري : «إن » بدل من «آية » ، في قوله { جئتكم بآية } ، وفي هذا ضعف وإنما التقدير أطيعون ، لأن الله ربي وربكم ، أو يكون المعنى ، لأن الله ربي وربكم فاعبدوه ، وقوله : { هذا صراط مستقيم } إشارة إلى قوله : { إن الله ربي وربكم فاعبدوه } ، وهو لأن ألفاظه جمعت الإيمان والطاعات ، والصراط ، الطريق ، والمستقيم ، الذي لا اعوجاج فيه .