الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

وقرأ العامة : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } : بكسرِ الهمزةِ على الإِخبار المستأنفِ ، وهذا ظاهِرٌ على قولِنا إنَّ " جئتكم " تأكيدٌ ، أمَّا إذا جَعَلْتَه تأسيساً وَجَعَلْتَ الآيةَ هي قولَه : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } بالمعنى الذي ذَكَرْتُه أولاً فلا يَصِحُّ الاستئنافُ ، بل يكونُ الكسرُ على إضمارِ القولِ وذلك القولُ بدلٌ من الآية ، كأنَّ التقدير : وجئتُكم بآيةٍ من ربِّكم قَوْلي إنَّ الله ، فقولي بدلٌ من " آية " ، و " إنَّ " وما في حَيِّزها معمولةٌ لقولي ، ويكون قوله : { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراضاً بين البدلِ والمبدلِ منه .

وقُرىء بفتحِ الهمزة وفيه أوجهٌ :

أحدُها : أنه بدلٌ من " آية " كأنَّ التقديرَ : وجِئْتُكم بأنَّ الله ربي وربكم ، أي : جِئْتُكم بالتوحيدِ ، وقوله : { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراضٌ أيضاً . الثاني : أنَّ ذلك على إضمار لامِ العلة ، ولامُ العلة متعلقةٌ بما بعدَها من قوله : " فاعبدوه " والتقديرُ : فاعبدوه لأنَّ الله ربي وربُّكم كقولِه تعالى :

{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } [ قريش : 1 ] إلى أن قال " فَلْيعبدوا " إذ التقديرُ : فليعبدوا لإِيلافِ قريش ، وهذا عند سيبويه وأَتْباعِهِ ممنوعٌ ؛ لأنه متى كان المعمولُ أَنَّ وما في صلتِها امتنَع تقديمُها على عاملِها ، لا يُجيزونَ : " أنَّ زيداً منطلقٌ عَرَفْتُ " تريد : " عَرَفْتُ أنَّ زيداً منطلقٌ " للقبحِ اللفظي ، إذ تَصَدُّرُها لفظاً يقتضي كسرَها .

الثالث : أن يكونَ " أن الله " على إسقاطِ الخافض وهو " على " و " على " يتعلِّق بآية نفسِها ، والتقديرُ : وجِئْتُكم بآيةٍ على أن الله ، كأنه قيل : بعلامةٍ ودلالةٍ على توحيدِ الله تعالى ، قاله ابن عطية ، وعلى هذا فالجملتان الأمريِتَّان اعتراضٌ إيضاً وفيه بُعْدٌ .

وقوله : { هَذَا صِرَاطٌ } هذا إشارةُ إلى التوحيدِ المَدْلُولِ عليه بقولِهِ : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } أو إلى نفسِ " إنَّ الله " باعتبار هذا اللفظِ هو الصراطَ المستقيمَ .