اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمۡ فَٱعۡبُدُوهُۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ} (51)

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } قراءة العامة بكسر همزة " إنّ " على الإخبار المستأنف ؛ وهذا ظاهر على قولنا : إن { جِئْتُكُمْ } تأكيد .

أما إذا جعلناه تأسيساً ، وجُعِلَت الآية هي قوله : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } - بالمعنى المذكور أولاً - فلا يصحُ الاستئناف ، بل يكون الكسر على إضمار القول ، وذلك القول بدلٌ من الآية ، كأن التقدير : وجئتكم بآية من ربكم قَوْلي : { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } ، ف " قَوْلِي " بدلٌ من آية ،

و " إنّ " وما في حَيِّزها معمول " قولي " ، ويكون قوله : { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراضاً بين البدل والمُبْدَل منه .

وقرئ بفتح الهمزة{[5493]} ، وفيه أوجُهٌ :

أحدها : أنه بدل من " آية " ، كأن التقدير : وجئتكم بأن الله ربي وربكم ، أي : جئتكم بالتوحيد .

وقوله : { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } اعتراضٌ أيضاً .

الثاني : أن ذلك على إضمار لام العلة ، ولام العلةِ متعلقة بما بعدها من قوله { فَاعْبُدُوهُ } ، والتقدير : فاعبدوه لأن الله ربي وربكم كقوله : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } [ قريش : 1 ] إلى أن قال : { فَلْيَعْبُدُواْ } [ قريش : 3 ] إذ التقدير فليعبدوا ، لإيلاف قريش ، وهذا عند سيبويه وأتباعه - ممنوع ؛ لأنه متى كان المعمول أنّ وصلتها يمتنع تقديمها على عاملها لا يجيزون : أنَّ زيداً منطق عرفت - تريد عرفت أن زيداً منطلقٌ - للفتح اللفظي ، إذْ تَصَدُّرُها - لفظاً يقتضي كسرها .

الثالث : أن يكون على إسقاط الْخَافِضِ - وهو على - و " على " يتعلق بآية بنفسها ، والتقدير : وجئتكم بآية على أن الله ، كأنه قيل : بعلامة ودلالة على توحيد الله - تعالى - قاله ابنُ عَطِيَّةَ ، وعلى هذا فالجملتان الأمْرِيَّتان اعتراض - أيضاً - وفيه بُعْدٌ .

قوله : { هَذَا صِرَطٌ مُّسْتَقِيمٌ } " هذا " إشارة إلى التوحيد المدلول عليه بقوله { إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ } أو إلى نفس { إِنَّ اللَّهَ } باعتبار هذا اللفظ هو الصراط المستقيم .


[5493]:انظر: الكشاف 1/365، والمحرر الوجيز 1/441، والبحر المحيط 2/491 والدر المصون 2/111.