{ 59 - 67 } { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ }
لما ذكر تعالى جزاء المتقين ، ذكر جزاء المجرمين { و } أنهم يقال لهم يوم القيامة { امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ } أي : تميزوا عن المؤمنين ، وكونوا على حدة ، ليوبخهم ويقرعهم على رءوس الأشهاد قبل أن يدخلهم النار ، فيقول لهم : { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ }
لقد بين - سبحانه - بعد ذلك ما يقال للمجرمين فقال : { وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون } أى : ويقال للمجرمين فى هذا اليوم - على سبيل الزجر والتأنيب انفردوا - أيها المجرمون - عن المؤمنين ، واتجهوا إلى ما أعد لكم من عذاب فى جهنم ، بسبب كفركم وجحودكم للحق .
يقال : امتاز وتميز القوم بعضهم عن بعض ، إذا انفصل كل فريق عن غيره .
قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ . فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ . وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة فأولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ }
فأما الآخرون فلا يطوي السياق موقف حسابهم ، بل يعرضه ويبرز فيه التبكيت والتنكيل :
وامتازوا اليوم أيها المجرمون . ألم أعهد إليكم - يا بني آ دم - ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين . وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم . ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً . أفلم تكونوا تعقلون ? هذه جهنم التي كنتم توعدون . اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون . .
إنهم يتلقون التحقير والترذيل : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) . . انعزلوا هكذا بعيداً عن المؤمنين !
يجوز أن يكون عطفاً على جملة { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليوم في شُغُلٍ فاكِهُونَ } [ يس : 55 ] ويجوز أن يعطف على { سَلامٌ قَوْلاً } [ يس : 58 ] ، أي ويقال : امتازوا اليوم أيها المجرمون ، على الضد مما يقال لأصحاب الجنة . والتقدير : سلام يقال لأهل الجنة قولاً ، ويقال للمجرمين : امتازوا ، فتكون من توزيع الخطابين على مخاطَبيْن في مقام واحد كقوله تعالى : { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك } [ يوسف : 29 ] .
وامتاز مطاوع مَازه ، إذا أفرده عما كان مختلطاً معه ، وُجِّه الأمر إليهم بأن يمتازُوا مبالغة في الإِسراع بحصول الميز لأن هذا الأمر أمر تكوين فعبر عن معنى . فيكونُ الميز بصوغ الأمر من مادة المطاوعة ، فإن قولك : لتنكَسِرْ الزجاجةُ أشد في الإِسراع بحصول الكسر فيها من أن تقول : اكسروا الزجاجة . والمراد : امتيازهم بالابتعَاد عن الجنة ، وذلك بأن يصيروا إلى النار فيؤول إلى معنى : ادخلوا النار . وهذا يقتضي أنهم كانوا في المحشر ينتظرون ماذا يفعل بهم كما أشرنا إليه عند قوله تعالى آنفاً : { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } [ يس : 55 ] ، فلما حُكي ما فيه أصحاب الجنة من النعيم حين يقال لأصحاب النار : { فاليوم لا تظلم نفس شيئاً } [ يس : 54 ] ، حُكي ذلك ثم قيل للمشركين { وامتازوا اليوم أيُّها المُجرمون } .
وتكرير كلمة { اليَوْمَ } ثلاث مرات في هذه الحكاية للتعريض بالمخاطبين فيه وهم الكفار الذين كانوا يجحدون وقوع ذلك اليوم مع تأكيد ذكره على أسماعهم بقوله : { فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ } [ يس : 54 ] وقوله : { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليومَ في شُغُل } [ يس : 55 ] وقوله : { امتازوا اليوم أيها المجرمون } .
ونداؤهم بعنوان : { المجرمون } للإِيماء إلى علة ميزهم عن أهل الجنة بأنهم مجرمون ، فاللام في { المُجْرِمُونَ } موصولة ، أي أيها الذين أجرموا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.