تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

{ 34-35 } { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }

هذه الآية والتي في البقرة قوله : { وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } مقيدتان ، لكل نص مطلق ، فيه إحباط العمل بالكفر ، فإنه مقيد بالموت عليه ، فقال هنا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر { وَصَدُّوا } الخلق { عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } بتزهيدهم إياهم بالحق ، ودعوتهم إلى الباطل ، وتزيينه ، { ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } لم يتوبوا منه ، { فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } لا بشفاعة ولا بغيرها ، لأنه قد تحتم عليهم العقاب ، وفاتهم الثواب ، ووجب عليهم الخلود في النار ، وسدت عليهم رحمة الرحيم الغفار .

ومفهوم الآية الكريمة أنهم إن تابوا من ذلك قبل موتهم ، فإن الله يغفر لهم ويرحمهم ، ويدخلهم الجنة ، ولو كانوا مفنين أعمارهم في الكفر به والصد عن سبيله ، والإقدام على معاصيه ، فسبحان من فتح لعباده أبواب الرحمة ، ولم يغلقها عن أحد ، ما دام حيا متمكنا من التوبة .

وسبحان الحليم ، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة ، بل يعافيهم ، ويرزقهم ، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

ثم بين - سبحانه - سوء مصير الذين استمروا على كفرهم حتى ماتوا عليه فقال : { إِنَّ الذين كَفَرُواْ } بالله - تعالى - ، وبكل ما يجب الإِيمان به .

{ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله } أى : ومنعوا غيرهم عن الطريق التى توصلهم إلى طاعة الله ورضاه . { ثُمَّ مَاتُواْ } جميعا ، { وَهُمْ كُفَّارٌ } دون أن يقلعوا عن كفرهم .

{ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ } شيئا من ذنوبهم ، لأن استمرارهم على الكفر حال بينهم وبين المغفرة .

ومن الآيات الكثيرة التى تشبه هذه الآية فى معناها قوله - تعالى - : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرض ذَهَباً وَلَوِ افتدى بِهِ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

32

ثم بين الله لهم في الآية التالية مصير الذين يشاقون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ويخرجون عن طاعته ، ثم يصرون على هذا ويذهبون من هذه الأرض كافرين :

( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ، ثم ماتوا وهم كفار ، فلن يغفر الله لهم ) . .

فالفرصة متاحة فقط للمغفرة في هذه الدنيا ؛ وباب التوبة يظل مفتوحا للكافر وللعاصي حتى يغرغر . فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة ولا مغفرة ، فقد ذهبت الفرصة التي لا تعود .

ومثل هذه الآية يخاطب المؤمنين كما يخاطب الكفار . فأما هؤلاء فهي نذارة لهم ليتداركوا أمرهم ويتوبوا قبل أن تغلق الأبواب . وأما أولئك فهي تحذير لهم وتنبيه لاتقاء كافة الأسباب التي تقرب بهم من هذا الطريق الخطر المشؤوم !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

{ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم } عام في كل من مات على كفره وإن صح نزوله في أصحاب القليب ، ويدل بمفهومه على أنه قد يغفر لمن لم يمت على كفره سائر ذنوبه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

هذه الآية تكملة لآية { إن الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول } [ محمد : 32 ] الخ لأن تلك مسوقة لعدم الاكتراث بمشاقّهم ولبيان أن الله مبطل صنائعهم وهذه مسوقة لبيان عدم انتفاعهم لمغفرة الله إذ ماتوا على ما هم عليه من الكفر فهي مستأنفة استئنافاً ابتدائياً .

واقتران خبر الموصول بالفاء إيماء إلى أنه أشرف معنى الشرط فلا يراد به ذو صلة معيّن بل المراد كل من تحققت فيه ماهية الصلة وهي الكفر والموت على الكفر .