نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَهُمۡ} (34)

ولما دل ما أخبر به أولاً عن المشاققين على أنهم مغلوبون في الدنيا خاسرون في الآخرة ، وكانت الخسارة في الآخرة مشروطة بشرط ، علل ما أمر به المؤمنون هنا من الطاعة ونهوا عنه من إبطال الأعمال بالمعصية ، زيادة-{[59920]} في حثهم على ما أمر به بعلتين كل منها مستقل بامتثال أمره واجتناب نهيه : إحدهما{[59921]} عدم المغفرة ، والثانية بطلان الأعمال والأموال بكون الدنيا لا حقيقة لها ، وقدم الأولى لأن الثانية - وهي أن الدنيا لعب - كالعلة الحاصلة على ما أوجبها ، ومن حسن التعليم بيان الحكم ثم تعليله بأقرب ما يحمل عليه أو يصد عنه ، فكأنه قيل : لا تبطلوها بالصد عن سبيل الله الحامل عليه الإقبال على الدنيا التي هي عين الباطل ، فإنكم إن فعلتم ذلك فاتتكم المغفرة ، وذلك من معنى قوله تعالى مؤكداً لإنكارهم مضمونه : { إن الذين كفروا } أي أوقعوا الكفر بفعلهم فعل الساتر لما دله{[59922]} عليه عقله من آيات الله المرئية ثم المسموعة { وصدوا عن سبيل الله } أي طريق الملك الأعلى الواضح المستقيم الموصل إلى كل ما ينبغي أن يقصد كل من أراده بتماديهم على باطلهم{[59923]} وأذاهم لمن خالفهم .

ولما كان هذا أمراً قبيحاً من جهات عديد لما فيه من مخالفة الملك الأعظم المرهوب بطشه المحذورة{[59924]} سطوته ، ومن ترك الواسع{[59925]} إلى الضيق والمستقيم إلى المعوج والموصل إلى الفوز إلى-{[59926]} الموصل إلى الخيبة ، فكان التمادي فيه في غاية البعد ، نبه على ذلك بأداة التراخي فقال : { ثم ماتوا } أي بعد المدلهم في مضمارهم بالتطويل في أعمارهم { وهم } أي والحال أنهم { كفار } ولما كان السبب الأعظم في الإحباط الموت على الكفر ، نبه{[59927]} عليه بالفاء الدالة على ربط الجزاء بالشرط وتسببه عنه فقال مؤكداً له-{[59928]} لإنكارهم ذلك : { فلن يغفر الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال التي تمنع من تسوية المسيء بالمحسن { لهم } فلا يمحو ذنوبهم ولا يستر عيوبهم ، بل يفضح سرائرهم ويوهن كيدهم ويردهم على أعقابهم في كل ما يتقلبون فيه لأنهم قد أبطلوا أعمالهم بالخروج عن دائرة الطاعة ، فلم يبق لهم ما يغفر لهم{[59929]} بسببه ، وقد دلت هذه الآية على ما دلت عليه آية البقرة من أن إحباط العمل{[59930]} في المرتد مشروط بالموت على الكفر .


[59920]:زيد من م ومد.
[59921]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: أحدهما.
[59922]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: دل.
[59923]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: باطله.
[59924]:من ومد، وفي الأصل و ظ: المحذور.
[59925]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: الوسع.
[59926]:زيد من م ومد.
[59927]:زيد في الأصل: على ذلك بأداة التراخي، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[59928]:زيد من م ومد.
[59929]:سقط من مد.
[59930]:زيدت في الأصل: كفر، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.