وقوله - سبحانه - { قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذئب وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } رد مؤكد من إخوة يوسف على تخوف أبيهم وتردده في إرساله معهم . إذ اللام في قوله : " لئن " موطئة للقسم ، وجواب القسم قوله : { إِنَّآ إِذَاً لَّخَاسِرُونَ } .
أى : قال إخوة يوسف لأبيهم محاولين إدخال الطمأنينة على قلبه ، وإزالة الحزن والخوف عن نفسه : يا أبانا والله لئن أكل الذئب يوسف وهو معنا ، ونحن عصابة من الرجال الأقوياء الحريصين على سلامته ، إنا إذا في هذه الحالة لخاسرون خسارة عظيمة ، نستحق بسببها عدم الصلاح لأى شئ نافع .
وأخيراً استسلم الأب ، لإِلحاح أبنائه الكبار ، ليتحقق قدر الله الذي قدره على يوسف . ولتسير قصة حياته في الطريق الذي شاء الله تعالى - له أن تسير فيه .
واختاروا أسلوبا من الأساليب المؤثرة لنفي هذا الخاطر عنه :
( قالوا : لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذن لخاسرون ) . .
لئن غلبنا الذئب عليه ونحن جماعة قوية هكذا فلا خير فينا لأنفسنا وإننا لخاسرون كل شيء ، فلا نصلح لشيء أبدا !
وهكذا استسلم الوالد الحريص لهذا التوكيد ولذلك الإحراج . . ليتحقق قدر الله وتتم القصة كما تقتضي مشيئته !
يقول تعالى مخبرا عن نبيه{[15073]} يعقوب أنه قال لبنيه في جواب ما سألوا من إرسال يوسف معهم إلى الرعي في الصحراء : { إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ } أي : يشق علي مفارقتُهُ مدة ذهابكم به إلى أن يرجع ، وذلك لفَرْط محبته له ، لما يتوسم فيه من الخير العظيم ، وشمائل النبوة والكمال في الخُلُق والخلق ، صلوات الله وسلامه عليه .
وقوله : { وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } يقول : وأخشى أن تشتغلوا عنه برميكم ورَعْيتكم{[15074]} فيأتيه ذئب فيأكله وأنتم لا تشعرون ، فأخذوا من فمه هذه الكلمة ، وجعلوها عذرهم فيما فعلوه ، وقالوا مجيبين عنها في الساعة الراهنة : { لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ } يقولون : لئن عدا عليه الذئب فأكله من بيننا ، ونحن جماعة ، إنا إذًا لهالكون عاجزون .
وقوله تعالى : { إني ليحزنني } الآية .
قرأ عاصم وابن كثير والحسن والأعرج وعيسى وأبو عمرو وابن محيصن «ليَحزُنني » بفتح الياء وضم الزاي ، قال أبو حاتم : وقرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والإدغام ، ورواية ورش عن نافع : بيان النونين مع ضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن ، وأن الأولى فاعلة والثانية مفعولة ب { أخاف } . وقرأ الكسائي وحده : «الذيب » دون همز وقرأ الباقون بالهمز - وهو الأصل منه جمعهم إياه على ذؤبان ، ومنه تذاءبت الريح والذئاب إذا أتت من ها هنا وها هنا . وروى رش عن نافع : «الذيب » بغير همز ، وقال نصر : سمعت أبا عمرو لا يهمز ، قال : وأهل الحجاز يهم .
وإنما خاف يعقوب الذئب دون سواه ، وخصصه لأنه كان الحيوان العادي المنبت في القطر . وروي أن يعقوب كان رأى في منامه ذئباً يشتد على يوسف .
قال القاضي أبو محمد : وهذا عندي ضعيف لأن يعقوب لو رأى ذلك لكان وحياً ، فإما أن يخرج على وجهه وذلك لم يكن ، وإما أن يعرف يعقوب بمعرفته لعبارة مثال هذا المرئي ، فكان يتشكاه بعينه ، اللهم إلا أن يكون قوله : { أخاف أن يأكله الذئب } بمعنى أخاف أن يصيبه مثل ما رأيت من أمر الذئب - وهذا بعيد - وكذلك يقول الربيع بن ضبع : [ المنسرح ]
والذئب أخشاه{[6589]} . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إنما خصصه لأنه كان حيوان قطره العادي ، ويحتمل أن يخصصه يعقوب عليه السلام لصغر يوسف : أي أخاف عليه هذا الحقير فما فوقه ، وكذلك خصصه الربيع لحقارته وضعفه في الحيوان ، وباقي الآية بيّن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.