ثم ذكر فائدة هذه الولاية فقال : { وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ْ } أي : فإنه من الحزب المضافين إلى الله إضافة عبودية وولاية ، وحزبه هم الغالبون الذين لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ْ }
وهذه بشارة عظيمة ، لمن قام بأمر الله وصار من حزبه وجنده ، أن له الغلبة ، وإن أديل عليه في بعض الأحيان لحكمة يريدها الله تعالى ، فآخر أمره الغلبة والانتصار ، ومن أصدق من الله قيلا .
ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة الذين يوالون الله ورسوله والمؤمنين فقال : { وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } . والحزب معناه الجمع من الناس يجتمعون على رأي واحد من أجل أمر حَزَبهم أي أهمهم وشغلهم .
والمعنى : { وَمَن يَتَوَلَّ الله } - تعالى - بأن يطيعه ويتوكل عليه ، ويتول ( رسوله ) بأن يتبعه ويتأسى به ، ويتول { والذين آمَنُواْ } بأن يناصرهم ويشد أزرهم ويتعاون معهم على البر والتقوى ، من يفعل ذلك لا شك في حسن عاقبته وظفره بالفلاح والنصر { فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } لغيرهم من الأحزاب الأخرى التي استحوذ عليها الشيطان .
و { من } في قوله { وَمَن يَتَوَلَّ الله } شرطية ، وقوله : { فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } دليل على جواب الشرط .
أي : ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا يكن من حزب الله المنتصر القوي ، فإن حزب الله هم الغالبون .
وقال - سبحانه - فإن حزب الله ، ولم يقل حزب الله ورسوله ، للإِشارة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلا بأمر من الله - تعالى - وإنه صلى الله عليه وسلم لا يستمد العون والنصرة إلا منه - سبحانه - .
وقال بعض العلماء : وقوله - تعالى - { فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون } معناه : فإنهم الغالبون .
فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى { من } دلالة على علة الغلبة .
وهو أنهم حزب الله . فكأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فهو حزب الله .
وحزب الله هم الغالبون . تنويها بذكرهم ، وتعظيما لشأنهم ، وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان .
وبذلك ترى أن هذه الآيات الكريمة قد نهت المؤمنين نهيا شديدا عن موالاة أعداء الله ، لأن موالاتهم قد تجر إلى الارتداد عن الدين الحق ، ومن يرتد عن الدين الحق فلن يضر الله شيئاً ، لأنه سبحانه - قادر على أن يأتي بقوم آخرين صادقين في إيمانهم بدل أولئك الذين ارتدوا على أعقابهم . كما نراها قد أرشدت المؤمنين إلى من تجب موالاتهم ، وبشرتهم بالفلاح والنصر متى جعلوا ولايتهم لله ولرسوله ولإِخوانهم في العقيدة والدين
والله يعد الذين آمنوا - في مقابل الثقة به ، والالتجاء إليه ، والولاء له وحده - ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية . . ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله . . يعدهم النصر والغلبة :
( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) . .
وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها . . وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين ؛ وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى ، وارتدادا عن الدين . .
وهنا لفتة قرآنية مطردة . . فالله - سبحانه - يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير ! لا لأنه سيغلب ، أو سيمكن له في الأرض ؛ فهذه ثمرات تأتي في حينها ؛ وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين ؛ لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين . . والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم . لا شيء لذواتهم وأشخاصهم . وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم ، ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم ! فيكون لهم ثواب الجهد فيه ؛ وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض ، وصلاح الأرض بهذا التمكين . .
كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم ؛ وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم - وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة - فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة ؛ وتخطي العقبة ، والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة ، فيكون لهم ثواب الجهاد ، وثواب التمكين لدين الله ، وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين .
كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال ، بحالة الجماعة المسلمة يومذاك ، وحاجتها إلى هذه البشريات . بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله . . مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة .
ثم تخلص لنا هذه القاعدة ؛ التي لا تتعلق بزمان ولا مكان . . فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف . وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف . فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون . . ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق ! وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق !
{ وَمَن يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } . .
وهذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده جميعا ، الذين تبرّءوا من اليهود وحلفهم رضا بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، والذين تمسكوا بحلفهم ، وخافوا دوائر السوء تدور عليهم ، فسارعوا إلى موالاتهم ، بأن من وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين ، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادّهم ، لأنهم حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون دون حزب الشيطان . كما :
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أخبرهم يعني الربّ تعالى ذكره من الغالب ، فقال : لا تخافوا الدولة ولا الدائرة ، فقال : وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فإنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الغالِبُونَ والحزب : هم الأنصار .
ويعني بقوله : فإنّ حِزْبَ اللّهِ : فإن أنصار الله ، ومنه قول الراجز :
( وكَيْفَ أضْوَى وَبِلالٌ حِزْبِي )
يعني بقوله أضْوَى : أُستضعف وأضام ، من الشيء الضاوي . ويعني بقوله : وبلال حزبي ، يعني ناصري .
{ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا } ومن يتخذهم أولياء . { فإن حزب الله هم الغالبون } أي فإنهم هم الغالبون ، ولكن وضع الظاهر موضع المضمر تنبيها على البرهان عليه فكأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله وحزب الله هم الغالبون وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان . وأصل الحزب القوم يجتمعون لأمر حز بهم .
ثم أخبر تعالى أن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فإنه غالب كل من ناوأه ، وجاءت العبارة عامة { فإن حزب الله هم الغالبون } اختصاراً لأن المتولي هو من حزب الله ، وحزب الله غالب ، فهذا الذي تولى الله ورسوله والمؤمنين غالب ، و { من } يراد بها الجنس لا مفرد بعينه ، و «الحزب » الصاغية{[4602]} والمنتمون إلى صاحب الحزب والمعانون فيما يحزب ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها في حمنة : وكانت تحارب في امر الإفك فهلكت فيمن هلك .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
هذا إعلام من الله تعالى ذكره عباده جميعا، الذين تبرّؤوا من اليهود وحلفهم رضا بولاية الله ورسوله والمؤمنين، والذين تمسكوا بحلفهم، وخافوا دوائر السوء تدور عليهم، فسارعوا إلى موالاتهم، بأن من وثق بالله وتولى الله ورسوله والمؤمنين ومن كان على مثل حاله من أولياء الله من المؤمنين، لهم الغلبة والدوائر والدولة على من عاداهم وحادّهم، لأنهم حزب الله، وحزب الله هم الغالبون دون حزب الشيطان. "فإنّ حِزْبَ اللّهِ": فإن أنصار الله.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وأصل الحزب: القوم يجتمعون لأمر حزبهم. ويحتمل أن يريد بحزب الله: الرسول والمؤمنين. ويكون المعنى: ومن يتولهم فقد تولى حزب الله، واعتضد بمن لا يغالب.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى أن من يتولى الله ورسوله والمؤمنين فإنه غالب كل من ناوأه، وجاءت العبارة عامة {فإن حزب الله هم الغالبون} اختصاراً لأن المتولي هو من حزب الله، وحزب الله غالب، فهذا الذي تولى الله ورسوله والمؤمنين غالب..
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
قوله تعالى:"ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا" أي من فوض أمره إلى الله، وامتثل أمر رسوله، ووالى المسلمين، فهو من حزب الله. وقيل: أي ومن يتولى القيام بطاعة الله ونصرة رسوله والمؤمنين. "فإن حزب الله هم الغالبون "قال الحسن: حزب الله جند الله. وقال غيره: أنصار الله..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان التقدير: فمن يتول غيرهم فأولئك حزب الشيطان، وحزب الشيطان هم الخاسرون، عطف عليه: {ومن يتول الله} أي يجتهد في ولاية الذي له مجامع العز {ورسوله} الذي خُلقه القرآن {والذين آمنوا} وأعاد ذكر من خص الولاية بهم تبركاً بأسمائهم وتصريحاً بالمقصود، فإنهم الغالبون -هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر ما شرفهم به ترغيباً لهم في ولايته فقال: {فإن حزب الله} أي القوم الذين يجمعهم على ما يرضي الملك الأعلى ما حزبهم أي اشتد عليهم فيه {هم الغالبون} أي لا غيرهم، بل غيرهم مغلوبون، ثم إلى النار محشورون، لأنهم حزب الشيطان.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
أي إذا كان الله هو وليكم وناصركم، وكان الرسول والذين آمنوا أولياء لكم بالتبع لولايته، فهم بذلك حزب الله تعالى، والله ناصر لهم. ومن يتول الله تعالى بالإيمان به والتوكل عليه، ويتول الرسول والمؤمنين بنصرهم وشد أزرهم، بالاستنصار بهم دون أعدائهم، فإنهم هم الغالبون فلا يغلب من يتولاهم، لأنهم حزب الله تعالى. ففيه وضع المظهر موضع الضمير. ونكتته بيان علة كونهم هم الغالبين.
وقد استدلت الشيعة بالآية على ثبوت إمامة علي بالنص بناء على ما روي من نزول الآية فيه. وجعلوا الوالي فيها بمعنى المتصرف في أمور الأمة، وقد بينا ضعف كون المؤمنين في الآية يراد به شخص واحد، وعلمنا من السياق أن الولاية هاهنا ولاية النصر لا ولاية التصرف والحكم، إذ لا مناسبة له في هذا السياق. وقد رد عليهم الرازي وغيره بوجوه. وهذه المجادلات ضارة غير نافعة، فهي التي فرقت الأمة وأضعفتها فلا نخوض فيها. ولو كان في القرآن نص على الإمامة لما اختلف الصحابة فيها، أو لاحتج به بعضهم على بعض. ولم ينقل ذلك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
والله يعد الذين آمنوا -في مقابل الثقة به، والالتجاء إليه، والولاء له وحده- ولرسوله وللمؤمنين بالتبعية.. ومقابل المفاصلة الكاملة بينهم وبين جميع الصفوف إلا الصف الذي يتمحض لله.. يعدهم النصر والغلبة:
(ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون)..
وقد جاء هذا الوعد بالغلب بعد بيان قاعدة الإيمان في ذاتها.. وأنها هي الولاء لله ورسوله وللمؤمنين؛ وبعد التحذير من الولاء لليهود والنصارى واعتباره خروجا من الصف المسلم إلى صف اليهود والنصارى، وارتدادا عن الدين..
وهنا لفتة قرآنية مطردة.. فالله -سبحانه- يريد من المسلم أن يسلم لمجرد أن الإسلام خير! لا لأنه سيغلب، أو سيمكن له في الأرض؛ فهذه ثمرات تأتي في حينها؛ وتأتي لتحقيق قدر الله في التمكين لهذا الدين؛ لا لتكون هي بذاتها الإغراء على الدخول في هذا الدين.. والغلب للمسلمين لا شيء منه لهم. لا شيء لذواتهم وأشخاصهم. وإنما هو قدر الله يجريه على أيديهم، ويرزقهم إياه لحساب عقيدتهم لا لحسابهم! فيكون لهم ثواب الجهد فيه؛ وثواب النتائج التي تترتب عليه من التمكين لدين الله في الأرض، وصلاح الأرض بهذا التمكين..
كذلك قد يعد الله المسلمين الغلب لتثبيت قلوبهم؛ وإطلاقها من عوائق الواقع الحاضر أمامهم -وهي عوائق ساحقة في أحيان كثيرة- فإذا استيقنوا العاقبة قويت قلوبهم على اجتياز المحنة؛ وتخطي العقبة، والطمع في أن يتحقق على أيديهم وعد الله للأمة المسلمة، فيكون لهم ثواب الجهاد، وثواب التمكين لدين الله، وثواب النتائج المترتبة على هذا التمكين.
كذلك يشي ورود هذا النص في هذا المجال، بحالة الجماعة المسلمة يومذاك، وحاجتها إلى هذه البشريات. بذكر هذه القاعدة من غلبة حزب الله.. مما يرجح ما ذهبنا إليه من تاريخ نزول هذا القطاع من السورة.
ثم تخلص لنا هذه القاعدة؛ التي لا تتعلق بزمان ولا مكان.. فنطمئن إليها بوصفها سنة من سنن الله التي لا تتخلف. وإن خسرت العصبة المؤمنة بعض المعارك والمواقف. فالسنة التي لا تنقض هي أن حزب الله هم الغالبون.. ووعد الله القاطع أصدق من ظواهر الأمور في بعض مراحل الطريق! وأن الولاء لله ورسوله والذين آمنوا هو الطريق المؤدي لتحقق وعد الله في نهاية الطريق!
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
الحزب معناه: الجمع المتضافر المتآزر القوى الذي يمانع ويقاوم، سواء أكان في الخير أم كان في الشر، وحزب الله حزب الخير، ولا خير أعلى مما يجتمع عليه.
ومعنى النص الكريم: من يجعل نصرته من الله ورسوله وولاءه لهما، وأمره إليهما فإنه سيكون حزب الله المتضافر على الخير، وسيكون هو الغالب إن شاء الله وهنا إشارتان بيانيتان ننوه عنهما:
إحداهما- أن قول الله تعالى: (فإن حزب الله هم الغالبون) يومئ إلى مقدر محذوف من القول بين في المعنى،وهو أن الذي يتولى الله ورسوله يكون من حزب الله القوي المتضافر على الخير، وإن حزب الله وجماعته هم الغالبون.
الثانية: أنه في قوله: (فإن حزب الله). لم يذكر اسم الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك إشارة إلى أن الرسول لا يعمل إلا بأمر من الله، فيكتفي هنا بذكر الله لأنه المسيطر الغالب القاهر فوق عباده، اللهم اجعل ولايتنا لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين اللهم اجعلنا من حزب الله دون غيره.