محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ} (56)

/ [ 56 ] { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ( 56 ) } .

{ ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا } فيعينهم وينصرهم { فإن حزب الله هم الغالبون } في العاقبة على أعدائه .

تنبيهات :

الأول : إنما أفرد ( الولي ) ولم يجمع ، مع أنه متعدد ، لإيذان بأن الولاية لله أصل ، ولغيره تبع لولايته عز وجل . فالتقدير : وكذلك رسوله والذين آمنوا .

الثاني : ثمرة هذه الآية تأكيد موالاة المؤمنين والبعد عن موالاة الكفار .

الثالث : قال ابن كثير : توهم بعض الناس أن هذه الجملة – يعني قوله تعالى : { وهم راكعون } - في موضع الحال من قوله { ويؤتون الزكاة } أي في ركوعهم . ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح . وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمهم من أئمة الفتوى . وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب : " أن هذه الآية نزلت فيه : إنه مر به سائل في حال ركوعه ، فأعطاه خاتمه " . ثم روى ابن كثير الأثر المذكور عن ابن أبي حاتم وابن جرير{[3101]} وعبد الرزاق وابن مردويه ، ثم قال : وليس يصح شيء منها بالكلية . لضعف أسانيدها وجهالة رجالها . . انتهى .

وقد اقتص ذلك الخفاجي في ( حواشي البيضاوي ) عن الحاكم وغيره بطول . ثم أنشد أبياتا لحسان بن ثابت فيها . ولوائح الضعف بل الوضع لا تخفى عليها . لاسيما ونفس حسان بن ثابت ، العريق في العربية ، بعيد مما نسب إليه . وأي حاجة للتنويه بفضل علي عليه السلام بمثل هذه الواهيات . وفضله أشهر من نار على علم .

/ قال البغوي{[3102]} : روي عن عبد الملك بن سليمان قال : " سألت أبا جعفر ، محمد بن علي الباقر عن هذه الآية { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } من هم ؟ فقال : المؤمنون . فقلت : إن ناسا يقولون هو علي . فقال : علي من الذين آمنوا " .

قال بن كثير : وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها ، أن هذه الآية كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه ، حين تبرأ من يهود ، ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين .

الرابع : ذهب من رأى أن هذه الآية نزلت في علي عليه السلام وأنه تصدق بخاتمه وهو راكع _كما قدمنا_ إلى أن العمل القليل في الصلاة لايبطلها ، وإن صدقة النفل تسمى زكاة . نقله السيوطي في ( الاكليل ) عن ابن الفرس .

وقال بعض الزيدية : ثمرة الاية تأكيد موالاة المؤمنين ، وبيان فضل من نزلت فيه . وأنه يجوز اخراج الزكاة في الصلاة ، وتنوى . وكذا نية الصيام في الصلاة تصح . وإن الفعل القليل لا يفسد الصلاة . قال : وهذا مأخوذ من سبب نزولها ، لا من لفظها . ومتى قيل إن عليا عليه السلام لم تجب عليه زكاة ؟ قلنا : إذا صح ما ذكر أنها نزلت فيه ، كان أولى بالصحة ، وأنها قد وجبت عليه .

قال في ( الغياضة ) : إن قيل : قد روي أنه كان من ذهب والذهب محرم على الرجال ؛ أجيب بأن ذلك كان في صدر الإسلام ثم نسخ ، أو أن هذا من خواص علي عليه السلام . انتهى .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلي رضي الله عنه ، واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيئ به على لفظ الجمع ، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه . ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغايةن الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء . حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير- وهم في الصلاة- لم يؤخروه إلى الفراغ منها . انتهى .

وإنما أوردنا هذا ، على علاته ، تعجيبا من غرائب الاستنباط . وقد توسع الرازي ، عليه الرحمة ، في المناقشة مع الشيعة هنا ، فليراجع فإنه بحث بديع .

الخامس : قوله تعالى : { فإن حزب الله هم الغالبون } معناه : فإنهم هم الغالبون . فوضع الظاهر موضع الضمير العائد إلى ( من ) دلالة على علة الغلبة . وهو أنهم حزب الله . فكأنه قيل : ومن يتول هؤلاء فهم حزب الله . وحزب الله هم الغالبون . وتنويها بذكرهم وتعظيما لشأنهم وتشريفا لهم بهذا الاسم ، وتعريضا لمن يوالي غير هؤلاء بأنه حزب الشيطان . وأصل ( الحزب ) القوم يجتمعون لأمر حزبهم . وقيل : الحزب جماعة فيهم شدة . فهو أخص من الجماعة والقوم .


[3101]:- الأثر رقم 1221 من التفسير.
[3102]:- الأثر رقم 12211 من تفسير ابن جرير.