تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

ومن النخيل الباسقات ، أي : الطوال ، التي يطول{[815]}  نفعها ، وترتفع إلى السماء ، حتى تبلغ مبلغًا ، لا يبلغه كثير من الأشجار ، فتخرج من الطلع النضيد ، في قنوانها ، ما هو رزق للعباد ، قوتًا وأدمًا وفاكهة ، يأكلون منه ويدخرون ، هم ومواشيهم .


[815]:- كذا في ب، وفي أ: التي يستمر نفعها، ويطول حتى تبلغ مبلغًا لا يبلغ إليه.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

وقوله : { تَبْصِرَةً وذكرى } علتان لما تقدم من الكلام ، وهما منصوبتان بفعل مقدر .

أى : فعلنا ما فعلنا من مد الأرض ، ومن تثبيتها بالجبال ، ومن إنبات كل صنف حسن من النبات فيها ، لأجل أن نبصر عبادنا بدلائل وحدانيتنا وقدرتنا ، ونذكرهم بما يجب عليهم نحو خالقهم من شكر وطاعة .

وقوله : { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } متعلق بكل من المصدرين السابقين وهما : التبصرة والذكرى . أى : هذه التبصرة والذكى كائنة لكل عبد منيب ، أى : كثير الرجوع إلى ربه بالتدبر فى بدائع صنعته ، ودلائل قدرته .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ} (8)

1

وعلى مشهد السماء المبنية المتطاولة الجميلة ، والأرض الممدودة الراسية البهيجة يلمس قلوبهم ، ويوجهها إلى جانب من حكمة الخلق ، ومن عرض صفحات الكون :

( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) . .

تبصرة تكشف الحجب ، وتنير البصيرة ، وتفتح القلوب ، وتصل الأرواح بهذا الكون العجيب ، وما وراءه من إبداع وحكمة وترتيب . . تبصرة ينتفع بها كل عبد منيب ، يرجع إلى ربه من قريب .

وهذه هي الوصلة بين القلب البشري وإيقاعات هذا الكون الهائل الجميل . هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون ، والتعرف إليه أثرا في القلب البشري ، وقيمة في الحياة البشرية . هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم وبين الإنسان الذي يعرف ويعلم . وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها " علمية " في هذا الزمان . فتقطع ما وصل الله من وشيجة بين الناس والكون الذي يعيشون فيه . فالناس قطعة من هذا الكون لا تصح حياتهم ولا تستقيم إلا حين تنبض قلوبهم على نبض هذا الكون ؛ وإلا حين تقوم الصلة وثيقة بين قلوبهم وإيقاعات هذا الكون الكبير . وكل معرفة بنجم من النجوم ، أو فلك من الأفلاك ، أو خاصة من خواص النبات والحيوان ، أو خواص الكون كله على وجه الإجمال وما فيه من عوالم حية وجامدة - إذا كانت هناك عوالم جامدة أو شيء واحد جامد في هذا الوجود ! - كل معرفة " علمية " يجب أن تستحيل في الحال إلى إيقاع في القلب البشري ، وإلى ألفة مؤنسة بهذا الكون ، وإلى تعارف يوثق أواصر الصداقة بين الناس والأشياء والأحياء . وإلى شعور بالوحدة التي تنتهي إلى خالق هذا الكون وما فيه ومن فيه . . وكل معرفة أو علم أو بحث يقف دون هذه الغاية الحية الموجهة المؤثرة في حياة البشر ، هي معرفة ناقصة ، أو علم زائف ، أو بحث عقيم !

إن هذا الكون هو كتاب الحق المفتوح ، الذي يقرأ بكل لغة ، ويدرك بكل وسيلة ؛ ويستطيع أن يطالعه الساذج ساكن الخيمة والكوخ ، والمتحضر ساكن العمائر والقصور . كل يطالعه بقدر إدراكه واستعداده ، فيجد فيه زادا من الحق ، حين يطالعه بشعور التطلع إلى الحق . وهو قائم مفتوح في كل آن : ( تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ) . . ولكن العلم الحديث يطمس هذه التبصرة أو يقطع تلك الوشيجة بين القلب البشري والكون الناطق المبين . لأنه في رؤوس مطموسة رانت عليها خرافة " المنهج العلمي " . المنهج الذي يقطع ما بين الكون والخلائق التي تعيش فيه !

والمنهج الإيماني لا ينقص شيئا من ثمار " المنهج العلمي " في إدراك الحقائق المفردة . ولكنه يزيد عليه ربط هذه الحقائق المفردة بعضها ببعض ، وردها إلى الحقائق الكبرى ، ووصل القلب البشري بها ، أي وصله بنواميس الكون وحقائق الوجود ، وتحويل هذه النواميس والحقائق إلى إيقاعات مؤثرة في مشاعر الناس وحياتهم ؛ لا معلومات جامدة جافة متحيزة في الأذهان لا تفضي لها بشيء من سرها الجميل ! والمنهج الإيماني هو الذي يجب أن تكون له الكرة في مجال البحوث والدراسات ليربط الحقائق العلمية التي يهتدي إليها بهذا الرباط الوثيق . .