تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (215)

{ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } بلين جانبك ، ولطف خطابك لهم ، وتوددك ، وتحببك إليهم ، وحسن خلقك والإحسان التام بهم ، وقد فعل صلى الله عليه وسلم ذلك كما قال تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ } فهذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، أكمل الأخلاق ، التي يحصل بها من المصالح العظيمة ، ودفع المضار ، ما هو مشاهد ، فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله ، ويدعي اتباعه والاقتداء به ، أن يكون كلا على المسلمين ، شرس الأخلاق ، شديد الشكيمة عليهم ، غليظ القلب ، فظ القول ، فظيعه ؟ [ و ] إن رأى منهم معصية ، أو سوء أدب ، هجرهم ، ومقتهم ، وأبغضهم ، لا لين عنده ، ولا أدب لديه ، ولا توفيق ، قد حصل من هذه المعاملة ، من المفاسد ، وتعطيل المصالح ما حصل ، ومع ذلك تجده محتقرا لمن اتصف بصفات الرسول الكريم ، وقد رماه بالنفاق والمداهنة ، وقد كمَّل نفسه ورفعها ، وأعجب بعمله ، فهل هذا إلا من جهله ، وتزيين الشيطان وخدعه له ، ولهذا قال الله لرسوله : { فَإِنْ عَصَوْكَ } في أمر من الأمور ، فلا تتبرأ منهم ، ولا تترك معاملتهم ، بخفض الجناح ، ولين الجانب ، بل تبرأ من عملهم ، فعظهم عليه وانصحهم ، وابذل قدرتك في ردهم عنه ، وتوبتهم منه ، وهذا لدفع احتراز وهم من يتوهم ، أن قوله { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ } للمؤمنين ، يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم ، ما داموا مؤمنين ، فدفع هذا بهذا والله أعلم .