يوبقهن : يهلكهن ، يقال للمجرم : أوبقته ذنوبه ، أي : أهلكته .
34- { أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير } .
وإن شاء الله أهلك هذه السفن بسبب ما ارتكب أهلها من معصية أو شرك أو كفر ، وهو سبحانه يعاقب على القليل ، ويصفح عن الكثير ، ويتجاوز عن كثير من الذنوب ، فينجى أهلها من الهلاك .
إن يشأ يرسل الريح عاتية قوية مدمرة ، فتضطر السفن أن تحيد عن طريقها ، آبقة عن الطريق المرسوم ، منصرفة ذات اليمين وذات الشمال ، منحرفة لا تسير على طريق ولا إلى جهة ، فيهلك من فيها إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب .
وهذا القول مناسب للأول ، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت ، أو لقواها فشردت وأبقت وهلكت ، ولكن من لطفه ورحمته أن يرسل الريح بحسب الحاجة ، كما يرسل المطر بقدر الكفاية ، ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ، أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار ، حتى إنه يرسل إلى مثل ( بلاد مصر ) سيحا من أرض أخرى غيرها ، لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ، ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم15 .
{ أو يوبقهن بما كسبوا } يهلكن بإرسال الرياح العاصفة المغرقة ؛ بسبب ما كسبه ركبانها من الذنوب . يقال أوبقه ، حبسه أو أهلكه . ووبق – كوعد ووحل وورث – وبوقا وموبقا : هلك وهو عطف على " يسكن " . والأصل : أو يرسلها – أي الريح – عاصفة فيوبق ناسا بذنوبهم ، وينج ناسا بالعفو عنهم . وبهذا ظهر وجه جزم " يعف " .
قوله تعالى : " أو يوبقهن بما كسبوا " أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيوبق السفن أي يغرقهن بذنوب أهلها . وقيل : يوبق أهل السفن . " ويعف عن كثير " من أهلها فلا يغرقهم معها ، حكاه الماوردي . وقيل : " ويعفو عن كثير " أي ويتجاوز عن كثير من الذنوب فينجيهم الله من الهلاك . قال القشري : والقراءة الفاشية " ويعف " بالجزم ، وفيها إشكال ؛ لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكد ويهلكها بذنوب أهلها ، فلا يحسن عطف " يعف " على هذا لأنه يصير المعنى : إن يشأ يعف ، وليس المعنى ذلك بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو إذا عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى . وقد قرأ قوم " ويعفو " بالرفع ، وهي جيدة في المعنى .
ولما نبه بهذا الاعتراض بين الجزاء ومعطوفه على ما فيه من دقائق المعاني في جلائل المباني ، قال مكملاً لما في ذلك من الترغيب في صورة الترهيب : { أو } أي أو أن يشاء في كل وقت أراده ، واسند الإيباق إلى الجواري تأكيداً لإرادة العموم في هلاك الركاب فقال : { يوبقهن } أي يهلكهن بالإغراق بإرسال الريح وغير ذلك من التباريح حتى كأنهن بعد ذلك العلو في وقبه أي حفره ، وطاق في الماء وقعره ، وقد تقدم تحقيق معنى " وبق " بجميع تقاليبه في سورة الكهف ، ومنه أن وبق كوعد ووجل وورث وبوقاً وموبقاً : هلك ، والموبق كمجلس : المهلك وكل شيء حال بين شيئين لأن الوقبة تحول بين ما فيها وبين غيره ، ومنه قيل للموعد : موبق ، وأوبقه : حبسه أو أهلكه .
ولما كان الإهلاك لهن إهلاكاً للركاب ، قال مبيناً أنهم المقصودون مجرداً الفعل إشارة إلى أن ابن آدم لما طبع عليه من النقائص ليس له من نفسه فعل خال عن شوب نقص حثاً له على اللجوء إلى الله في تهذيب نفسه وإخلاص فعله : { بما كسبوا } أي فعلوا من المعاصي بجدهم فيه واجتهادهم .
ولما كان التقدير تفصيلاً للإيباق : فيغرق كل من فيهن إن شاء ويغرق كثيراً منهم إن شاء عطف عليه قوله : { ويعف } أي إن يشاء { عن كثير * } أي من الناس الذين في هذه السفن الموبقه ، فينجيهم بعوم أو حمل عى خشبة أو غير ذلك ، وإن يشأ يرسل الريح طيبة فينجيها ويبلغها أقصى المراد إلى غير ذلك من التقادير الداخلة تحت المشيئة ، فالفعل كما ترى عطف على يوبق ، وعطف بالواو لأنه قسم من حالي الموبقة ، وهو بمعنى ما روى عن أهل المدينة من نصب " يعفو " بتقدير " إن " ليكون المعنى : يوقع إيباقاً وعفواً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.