قوله : { أوْ يُوبِقْهُنَّ } عطف على { يُسْكِنْ } قال الزمخشري : لأن المعنى : إن يَشَأْ يُسْكِنْ فَيَرْكُدْنَ ، أو يَعْصِفْهَا فَيَغْرقْنَ{[49382]} بِعَصْفِهَا ، قال أبو حيان : ولا يتعين أن يكون التقدير : أو يعصفها فيغرقن لأن إهلاك السفن لا يتعين أن يكون بعصف الريح ، بل قد يهلكها بقلع لوح أو خسفٍ{[49383]} .
قال شهاب الدين : والزَّمخشريُّ لم يذكر أن ذلك متعين ، وإنما ذكر شيئاً مناسباً ؛ لأن قوله : يسكن الرياح يقابله «يعصفها » فهو في غاية الحسن والطِّباق{[49384]} .
معنى «يُوبِقْهُنَّ » يُهْلِكْهُنَّ ويغرقهن «بِمَا كَسَبُوا » أي بما كسبت ركابها من الذنوب { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } من ذنوبهم فلا يعاقب عليها{[49385]} . يقال : أوْبَقَهُ أي أهلكه ، كما يقال للمجرم : أوْبَقَتْهُ ذنوبه أي أهلكته{[49386]} .
فإن قيل : ما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جعل مجزوماً مثله ؟
فالجواب : معناه إن يشأ يهلك ناساً ينج ناساً على طريق العفو عنهم ، وأما من قرأ «ويعفو » فقد استأنف الكلام{[49387]} ؟ والعامة على الجزم عطفاً على جواب الشرط . واستشكله القشيريُّ ، وقال : لأن المعنى إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكداً ويهلكها بذنوب أهلها ، فلا يحسن عطف : «وَيَعْفُ » على هذا لأن المعنى يصير : إن يشأ يعف ، وليس المعنى على ذلك ، بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة فهو عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى{[49388]} . قال أبو حيان : وما قاله ليس يجيّد ، إذ لم يفهم مدلول التركيب والمعنى إلا أنه تعالى إن يشأ أهلك ناساً وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم{[49389]} . وقرأ الأعمش : ويعفو بالواو{[49390]} . وهي تحتمل أن تكون كالمجزوم ، وثبتت الواو في الجزم كثبوت الياء في «مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ »{[49391]} .
ويحتمل أن يكون الفعل مرفوعاً ، أخبر الله تعالى أنه يعفو عن كثير من السَّيِّئات{[49392]} .
وقرأ بعض أهل المدينة{[49393]} {[49394]} بالنصب بإضمار «أنْ » بعد الواو كنصبه في قول النابغة : شعراً :
4385 فَإنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ *** رَبِيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ
وَنَأْخُذُ بَعْدَهُ بذنابِ عَيْشٍ *** أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ{[49395]}
بنصب ونأخذ ورفعه وجزمه ، وهذا كما ترى بالأوجه الثلاثة بعد الفاء في قوله تعالى : { فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } [ البقرة : 284 ] كما تقدم آخر البقرة ويكون قد عطف هذا المصدر المؤول من «أَنْ » المضمرة والفعل على مصدر متوهَّم{[49396]} من الفعل قبله تقديره : أو يقع إيباقٌ ، وعفوٌ عن كثيرٍ . فقراءة النصب كقراءة الجزم في المعنى إلا أن في هذه عطف مصدر مؤول على مصدر متوهم وفي تيك عطفُ فعل على مثله{[49397]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.