فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَوۡ يُوبِقۡهُنَّ بِمَا كَسَبُواْ وَيَعۡفُ عَن كَثِيرٖ} (34)

{ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } معطوف على يسكن ، أي يهلكهنّ بالغرق ، والمراد : أهلكهن بما كسبوا من الذنوب ، وقيل : بما أشركوا . والأوّل أولى ، فإنه يهلك في البحر المشرك وغير المشرك ، يقال : أوبقه ، أي أهلكه { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } من أهلها بالتجاوز عن ذنوبهم ، فينجيهم من الغرق . قرأ الجمهور { يعف } بالجزم عطفاً على جواب الشرط . قال القشيري : وفي هذه القراءة إشكال ؛ لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح ، فتبقي تلك السفن رواكد ، أو يهلكها بذنوب أهلها ، فلا يحسن عطف { يعف } على هذا ، لأنه يصير المعنى : إن يشأ يعف ، وليس المعنى ذلك ، بل المعنى : الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة ، فهو إذن عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى ، وقد قرأ قوم : " ويعفو " بالرفع ، وهي جيدة في المعنى . قال أبو حيان : وما قاله ليس بجيد إذ لم يفهم مدلول التركيب ، والمعنى : إلاّ أنه تعالى أهلك ناساً ، وأنجى ناساً على طريق العفو عنهم ، وقرأ الأعمش : " ويعفو " بالرفع ، وقرأ بعض أهل المدينة بالنصب بإضمار أن بعد الواو كما في قول النابغة :

فإن يهلك أبو قابوس يهلك *** ربيع الناس والشهر الحرام

ونأخذ بعده بذناب عيش *** أجبّ الظهر ليس له سنام

بنصب ونأخذ .

/خ43