8- { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
في الآية السابقة تأكيد لشأن البعث والحشر والحساب ، فآمنوا بالله ربا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، وبالقرآن كتابا سماويا ، وهو نور أنزله من السماء يضيء للناس حياتهم ، ويرشدهم إلى الإيمان ، ويوضح لهم أسلوب التعامل ، وبيان الحلال والحرام .
ويرشدهم إلى أخبار السابقين ، وآداب التعامل في الحياة ، ومشاهد القيامة وأخبارها وأحوالها ، فالقرآن نور منزّل من عند الله نور السماوات والأرض ، والقرآن هداية من عند الله تعالى .
{ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } .
هو مطلع وشاهد ، ورقيب وحسيب ، وسيحاسبكم يوم القيامة ، ويجازيكم على أعمالكم .
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 52 ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } . ( الشورى : 52-53 ) .
ثم بعد أن بيّن لهم الحقائق طالبَهم بالإيمان ، وذلك لمصلحتهم ولخيرهم فقال :
{ فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا } ما دام البعثُ حقا ، فصدَّقوا أيها الناس بهذا الإله العظيم وبرسوله الكريم ، وبهذا القرآن الذي هو نور أضاءَ الكونَ بهدْيه ، وأخرجَ العالَمَ من الظلمات إلى النور ، { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فلا تخفى عليه أعمالكم .
{ 8 } { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
لما ذكر تعالى إنكار من أنكر البعث ، وأن ذلك [ منهم ] موجب كفرهم بالله وآياته ، أمر بما يعصم من الهلكة والشقاء ، وهو الإيمان بالله ورسوله وكتابه{[1115]} وسماه الله نورًا ، فإن النور{[1116]} ضد الظلمة ، وما في الكتاب الذي أنزله الله من الأحكام والشرائع والأخبار ، أنوار يهتدى بها في ظلمات الجهل المدلهمة ، ويمشى بها في حندس الليل البهيم ، وما سوى الاهتداء بكتاب الله ، فهي علوم ضررها أكثر من نفعها ، وشرها أكثر من خيرها ، بل لا خير فيها ولا نفع ، إلا ما وافق ما جاءت به الرسل ، والإيمان بالله ورسوله وكتابه ، يقتضي الجزم التام ، واليقين الصادق بها ، والعمل بمقتضى ذلك التصديق ، من امتثال الأوامر ، واجتناب المناهي{[1117]} { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } فيجازيكم بأعمالكم الصالحة والسيئة .
ولما كان في رد قولهم على هذا الوجه مع الإقسام من غير استدلال إشارة إلى تأمل الكلام السابق بما اشتمل عليه من الأدلة التي منها ذلك البرهان البديهي ، سبب عنه قوله فذلكة{[65756]} لما مضى من الأدلة وجمعاً لحديث جبريل عليه الصلاة والسلام في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره والإسلام والإحسان : { فآمنوا بالله } أي الذي لا أظهر من أن له الإحاطة الكاملة بكل شيء وأنه لا كفؤ له ولا راد لأمره . ولما دعاه هذا إلى الإيمان به سبحانه عقلاً ونقلاً ذكراً وفكراً ، ثنى بالإيمان بالرسل من الملائكة والبشر فقال : { ورسوله } أي كل من أرسله و{[65757]}لا سيما محمد صلى الله عليه وسلم بما ثبت من تصديقه بالمعجزات من أنه رسوله ، ويلزم من الإيمان به الإيمان بمن أبلغه من الملائكة . ولما كانت تلك المعجزات موجبات للعلم كانت أحق الأشياء باسم النور فإن النور هو المظهر للأشياء بعد انحجابها برداء الظلام{[65758]} وكان أعظم تلك المعجزات وأحقها بذلك كتب الله المنزلة على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام ، وأعظمها القرآن الذي هو مع إعجازه بيان لكل شيء ، قال : { والنور } وعينه بقوله : { الذي أنزلنا } أي بما لنا من العظمة فكان معجزاً فكان بإعجازه{[65759]} ظاهراً بنفسه مظهراً لغيره ، وهذا وإن كان هو{[65760]} الواقع لكن ذكر هذا الوصف صالح لشمول كل ما أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى رسله صلى الله عليهم وسلم ، ومن المعلوم أن أعظمه القرآن المنزل على أشرف رسله صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، فهو أحق ذلك باسم النور لما مضى من إعجازه ، فمن آمن{[65761]} به أدخل الله قلبه من أنوار الفهوم والألطاف والسكينة ما يضيء الأقطار .
ولما كان التقدير : والله محاسبكم على ما قابلتم{[65762]} به إنعامه عليكم بذلك{[65763]} من إيمان وكفران ، عطف عليه مرغباً مرهباً قوله : { والله } أي المحيط علماً وقدرة ، وقدم الجار لما تقدم غير مرة من مزيد التأكيد فقال : { بما تعملون } أي توقعون عمله في وقت من الأوقات { خبير * } أي بالغ العلم بباطنه وظاهره .