تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ} (6)

1

المفردات :

وإن الدين لواقع : وإن الجزاء لحاصل .

التفسير :

{ وإن الدين لواقع } .

الدين هو الجزاء يوم القيامة ، من دنته ، أي : جازيته ، وفي سورة الفاتحة : { مالك يوم الدين } . وفي قراءة : { ملك يوم الدين } .

فهو سبحانه المالك وحده يوم القيامة ، وينادي سبحانه : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } . ( غافر : 16 ) .

فلابد من يوم تدين فيه الناس لرب العالمين ، وينالون ما يستحقون من جزاء عادل ، قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفس محمد بيده ، لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن على ما تعملون ، ولتجزون بالإحسان إحسانا ، وبالسوء سوءا ، وإنها لجنة أبدا ، أو لنار أبدا ) .

   
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ} (6)

والدين : هنا الحساب والجزاء .

وإن الدّين ( وهو الجزاء على أعمالكم ) لحاصِل .

   
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ} (6)

قوله تعالى : " والذاريات ذروا " قال أبو بكر الأنباري : حدثنا عبد الله بن ناجية ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه : إني مررت برجل{[14196]} يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ، فدخل الرجل على عمر يوما وهو لا بس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على قَتَب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صَبِيغا{[14197]} طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم . وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما " الذاريات ذروا " قال : ويلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا " والذاريات ذروا " الرياح " فالحاملات وقرا " السحاب " فالجاريات يسرا " السفن " فالمقسمات أمرا " الملائكة . وروى الحرث عن علي رضي الله عنه " والذاريات ذروا " قال : الرياح " فالحاملات وقرا " قال : السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر " فالجاريات يسرا " قال : السفن موقرة " فالمقسمات أمرا " قال : الملائكة تأتي بأمر مختلف ، جبريل بالغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت . وقال الفراء : وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث{[14198]} . ويقال : ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا . ثم قيل : " والذاريات " وما بعده أقسام ، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا . وقيل : المعنى ورب الذاريات ، والجواب " إنما توعدون " أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب " لصادق " لا كذب فيه ، ومعنى " لصادق " لصدق ، وقع الاسم موقع المصدر . " وإن الدين لواقع " يعني الجزاء نازل{[14199]} بكم . ثم ابتدأ قسما آخر فقال : " والسماء ذات الحبك . إنكم لفي قول مختلف " [ الذاريات : 7 ] وقيل إن الذاريات النساء الولودات ؛ لأن في ذرايتهن ذرو الخلق ؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين . وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين : أحدهما : لأنهن أوعية دون الرجال ، فلاجتماع الذّروين فيهن خصصن بالذِّكر . الثاني : أن الذّرو فيهن أطول زمانا ، وهن بالمباشرة أقرب عهدا . " فالحاملات وقرا " السحاب . وقيل : الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل . والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، يقال : جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره . وأكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار ، والوسق في حمل البعير . وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا . وأوقرت النخلة كثر حملها ، يقال : نخلة موقرة وموقر وموقرة ، وحكي موقر وهو على غير القياس ؛ لأن الفعل للنخلة . وإنما قيل : موقر بكسر القاف على قياس{[14200]} قولك امرأة حامل ؛ لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ، فأما موقر بالفتح فشاذ ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا :

عَصَبٌ كَوَارِعُ في خليجٍ مُحَلَّمٍ *** حَمَلَتْ فمنها مُوقَرٌ مَكْمُومُ

والجمع مواقر . فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن ، وقد وقرت أذنه توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في " الأنعام{[14201]} " القول فيه . " فالجاريات يسرا " السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت . وقيل : السحاب ، وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع . الثاني : هو سهولة تسييرها ، وذلك معروف عند العرب ، كما قال الأعشى :

كأن مِشْيَتَها من بيت جارتها *** مشيُ السحابة لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ


[14196]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤالات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14197]:هو صبيغ ـ كأمير ـ بن عسل ـ بكسر العين ـ كان يعنت الناس بالغوامض والسؤلات من متشابه القرآن فنفاه عمر إلى البصرة بعد ضربه، وكتب إلى واليها ألا يؤويه، ونهى عن مجالسته (التاج).
[14198]:في ل، ن: "الخوارق".
[14199]:في ز، ل، ن: "النازل".
[14200]:الزيادة من كتب اللغة.
[14201]:راجع جـ 6 ص 404.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَإِنَّ ٱلدِّينَ لَوَٰقِعٞ} (6)

ولما كان أجل وعيدهم وما يتعلق بالجزاء يوم القيامة وكانوا ينكرونه ، قال : { وإن الدين } أي المجازاة لكل أحد بما كسب يوم البعث ، والشرع الذي أرسلت به هذا النبي الكريم { لواقع * } لا بد منه وإن أنكرتم ذلك ، فيظهر دينه على الدين كله كما وعد بذلك ، ثم نقيم الناس كلهم للحساب .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما ذكر سبحانه المواعيد الأخراوية{[61305]} في سورة ق وعظيم تلك الأحوال من لدن قوله { وجاءت سكرة الموت بالحق } إلى آخر السورة ، أتبع{[61306]} سبحانه ذلك بالقسم على وقوعه وصدقه فقال : { والذاريات ذرواً } إلى-{[61307]} قوله : { إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع } والدين الجزاء ، أي أنهم سيجازون {[61308]}على ما{[61309]} كان منهم ويوفون قسط أعمالهم { فلا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون } { إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً } . ولما أقسم الله على صدق وعده ووقوع الجزاء ، عقب ذلك بتكذيبهم بالجزاء وازدرائهم فقال { يسألون أيان يوم الدين } ثم ذكر تعالى حال الفريقين وانتهاء الطريقين إلى قوله : { وفي الأرض آيات للموقنين } فوبخ تعالى من لم يعمل فكره ولا بسط نظره فيما أودع سبحانه في العالم من العجائب ، وأعقب بذكر إشارات إلى أحوال الأمم وما أعقبهم تكذيبهم ، وكل هذا تنبيه لبسط النظر إلى قوله : { ومن كل شيء خلقنا } بقوله : { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } أي إن هذا دأبهم وعادتهم حتى كأنهم تعاهدوا عليه وألقاه بعضهم إلى بعض فقال تعالى : { تواصوا به أم هم قوم طاغون } أي عجباً لهم في جريهم على التكذيب و-{[61310]}الفساد في مضمار واحد ، ثم قال تعالى : { بل هم قوم طاغون } أي أن علة تكذيبهم هي-{[61311]} التي اتحدت فاتحد معلولها ، والعلة طغيانهم وإظلام قلوبهم بما سبق { ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها } ثم زاد نبيه عليه السلام أشياء مما ورد {[61312]}على طريقة{[61313]} تخييره عليه السلام في أمرهم من قوله تعالى : { فتول عنهم فما أنت بملوم } ثم أشار تعالى بقوله : { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } إلى أن إحراز أجره عليه السلام إنما هو في التذكار والدعاء إلى الله تعالى ، ثم ينفع الله بذلك من سبقت له السعادة { إنما يستجيب الذين يسمعون } ثم أخبر نبيه عليه الصلاة والسلام بأن تكذيبه {[61314]}سينالهم قسط{[61315]} ونصيب مما نال غيرهم{[61316]} من ارتكب{[61317]} مرتكبهم ، وسلك مسلكهم ، فقال تعالى { وإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } إلى آخر السورة - انتهى .


[61305]:من مد، وفي الأصل: الأخوية.
[61306]:من مد، وفي الأصل: اتبعه.
[61307]:من مد، وفي الأصل: الأخوية.
[61308]:من مد، وفي الأصل: لما.
[61309]:من مد، وفي الأصل: لما.
[61310]:زيد من مد.
[61311]:زيد من مد.
[61312]:من مد، وفي الأصل: عليه لطريقه.
[61313]:من مد، وفي الأصل: عليه لطريقه.
[61314]:من مد، وفي الأصل: شيء له قطع.
[61315]:من مد، وفي الأصل: شيء له قطع.
[61316]:من مد، وفي الأصل: غيره.
[61317]:زيد في الأصل ومد: من.