تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا} (22)

المفردات :

ملتحدا : ملجأ يركن إليه ، قال الشاعر :

يا لهف نفسي ونفسي غير مجدية *** عنّي وما من قضاء ملتحدا

بلاغا من الله : تبليغا لرسالاته ، أي : لا أملك لكم إلا البلاغ ، أي : تبليغ الرسالات .

التفسير :

22 ، 23- قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا* إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا .

قل يا محمد : إنني رسول الله ، أبلّغ رسالته ، ولا أتأخّر عما أمرني به ربي ، ولا يملك أحد أن يجيرني من عذاب الله ، ولا تملكون أنتم ذلك ، بل ولا تملك الدنيا كلها أن تحميني من عذاب الله إن أرادني بسوء ، فلا رادّ لما يريده ، ولن أجد من دون الله ملجأ أو مهربا أو ملتحدا أركن إليه ، فما من قضاء الله مهرب ، وليس من أمر الله مفرّ .

وفي هذا المعنى يقول الله عز وجل : وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال . ( الرعد : 11 ) .

إلا بلاغا من الله ورسالاته . . .

إن المخلص والنجاة لي من عذاب الله لا يكمن إلا في أن أبلّغ رسالة ربي إليكم ، فليس عليّ إلا البلاغ ، وأنا لا أملك هدايتكم ، فالله وحده هو الذي يملك ذلك ، فأنا متجرد لتبليغ الرسالة ، ولا يحميني من عذاب الله إلا تبليغ ما أرسلت به إليكم ، وحمل الرسالة والقرآن إلى مسامعكم .

كما قال تعالى : يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته . . . ( المائدة : 67 ) .

قال ابن كثير : أي لا يجيرني منه ويخلّصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب الله عليّ أداءها .

ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا .

أي : أنا أبلغكم رسالة الله ودعوته إلى التوحيد ، والإيمان بالله ربّا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، ومن يعص الله ورسوله فجزاؤه نار جهنم خالدين فيها ، أي ماكثين فيها أبدا على الدوام ، ولا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها ، فقد كانوا عازمين على الشرك بالله أبدا مدة حياتهم ، فعاقبهم الله بالخلود في النار أبدا مدة آخرتهم .

وقوله : أبدا . دليل على أن العصيان هنا هو الشرك ، وإنما جمع خالدين . حملا على معنى من . لأن لفظها مفرد ومعناها جمع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا} (22)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قل إني لن يجيرني من الله} يعني يمنعني من الله {أحد ولن أجد من دونه ملتحدا} يعنى ملجأ ولا حرزا.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"قُلْ إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أحَدٌ" من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر.

" وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا": ولن أجد من دون الله ملجأً ألجأ إليه.

عن قتادة، في قوله: "مُلْتَحَدا": أي ملجأً ونصيرا.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فكأنهم طلبوا منه ترك تبليغ الرسالة إلى قوم أو كتمان شيء ممّا أمر بإظهاره أو محاباة أحد من الأجلّة، فأمره أن يخبرهم أنه لا يجيره أحد من الله تعالى، لا يجد لنفسه ملجأ إن فعل ذلك سوى أن يبلغ رسالات ربه، فيجيره من عذابه، فيكون له عنده ملجأ.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

جملة معترضة اعترض بها لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه، على معنى أنّ الله إن أراد به سوءاً من مرض أو موت أو غيرهما: لم يصح أن يجيره منه أحد أو يجد من دونه ملاذا يأوي إليه: والملتحد: الملتجأ، وأصله المدَّخل، من اللحد.

وقيل: محيصاً ومعدلاً.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقولهم {من دونه} أي من عند سواه.

و «الملتحد»: الملجأ الذي يمال إليه ويُركَن، ومنه الإلحاد الميل، ومنه اللحد الذي يمال به إلى أحد شقي القبر.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولن أجد من دونه ملتحدا} أي ملجأ وحرزا، قال المبرد: ملتحدا مثل قولك منعرجا، والتحد معناه في اللغة مال، فالملتحد المدخل من الأرض مثل السرب الذاهب في الأرض.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

ولما تبرأ عليه السلام من قدرته على نفعهم وضرهم، أمر بأن يخبرهم بأنه مربوب لله تعالى، يفعل فيه ربه ما يريد، وأنه لا يمكن أن يجيره منه أحد، ولا يجد من دونه ملجأ يركن إليه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما أجاب من تشوف إلى علة صبره عن دفعهم عنه بما حاصله أنه لا شيء بيده، لأن إلهه من العظمة في إحاطة العلم والقدرة وأنه لا يخرج شيء عن مراده فلا يعجل في شيء بحيث لا يفعل إلا ما يريد سواء سئل أو لا، فكان ذلك ربما أوجب أن يظن منه صلى الله عليه وسلم موافقته لهم لئلا يضروه لأنهم يستعجلون في أذى من خالفهم، أجاب ما حاصله أنه بين ضررين أحدهما منهم إن خالفهم، والآخر منه سبحانه وتعالى إن أعرض عنه، وهو سبحانه وتعالى يرد أذاهم إن أراد، وهم لا يقدرون على رد أذاه بوجه فقال: {قل} أي لمن يدعوك إلى موافقتهم، وأكد لما في ظن كثير من الناس من أن الأسباب لا تتخلف فقال: {إني} وزاد في التأكيد لأن ذلك في غاية الاستقرار في النفوس فقال: {لن يجيرني} أي فيدفع عني ما يدفع الجار عن جاره {من الله} أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه {أحد} أي كائناً من كان إن أرادني سبحانه بسوء. ولما كان من هو بهذه المثابة ربما هرب منه المطلوب قال مؤكداً: {ولن أجد} أي أصلاً.

ولما كانت كل رتبة دون رتبته، وكانت الرتب التي دون رتبته كثيرة جداً لما له من العلو المطلق ولغيره من مراتب السفول التي لا تحد، قال مشيراً لذلك بالجارّ: {من دونه} أي الله تعالى {ملتحداً} أي معدلاً وموضع ميل وركون ومدخلاً وملتجأ وحيلة، وإن اجتهدت كل الاجتهاد لأن اللحد أصله الميل ولا يقال إلا في ميل من حق إلى باطل، وألحد: جادل ومارى وركن.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قل: إني لن يجيرني من الله أحدا ولن أجد من دونه ملتحدا. إلا بلاغا من الله ورسالاته...

. وهذه هي القولة الرهيبة، التي تملأ القلب بجدية هذا الأمر.. أمر الرسالة والدعوة.. والرسول [صلى الله عليه وسلم] يؤمر بإعلان هذه الحقيقة الكبيرة.. إني لن يجيرني من الله أحد، ولن أجد من دونه ملجأ أو حماية، إلا أن أبلغ هذا الأمر، وأؤدي هذه الأمانة، فهذا هو الملجأ الوحيد، وهذه هي الإجارة المأمونة. إن الأمر ليس أمري، وليس لي فيه شيء إلا التبليغ، ولا مفر لي من هذا التبليغ. فأنا مطلوب به من الله ولن يجيرني منه أحد، ولن أجد من دونه ملجأ يعصمني، إلا أن أبلغ وأؤدي! يا للرهبة! ويا للروعة! ويا للجد! إنها ليست تطوعا يتقدم به صاحب دعوة. إنما هو التكليف. التكليف الصارم الجازم، الذي لا مفر من أدائه. فالله من ورائه! وإنها ليست اللذة الذاتية في حمل الهدى والخير للناس. إنما هو الأمر العلوي الذي لا يمكن التلفت عنه ولا التردد فيه! وهكذا يتبين أمر الدعوة ويتحدد.. إنها تكليف وواجب. وراءه الهول، ووراءه الجد، ووراءه الكبير المتعال!

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

قل لهم بأنّي لو خالفت أمر اللّه تعالى فسوف يحيق بي العذاب أيضاً ولن يستطيع أحد أن ينصرني أو يدفع عنّي عذابه: (قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولا أجد من دونه ملتحداً) وعلى هذا الأساس لا يستطيع أحد أن يجيرني منه تعالى ولا شيء يمكنه أن يكون لي ملجأ، وهذا الخطاب يشير من جهة إلى:

الإقرار الكامل بالعبودية للّه تعالى،

وإلى نفي كلّ أنواع الغلو في شأن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة أُخرى. ويشير من جهة ثالثة إلى أنّ الأصنام ليس فقط لا تنفع ولا تحمي، بل إنّ نفس الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً مع ما له من العظمة لا يمكنه أن يكون ملجأ من عذاب اللّه.

وينهي من جهة الذرائع والآمال للمعاندين الذين كانوا يطلبون من النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يريهم المعاجز الإلهية.

ويثبت أن التوسل والشفاعة أيضاً لا يتحققان إلاّ بإذنه تعالى.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا} (22)

وقوله { ولن أجد من دونه ملتحدا } أي ملجأ

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا} (22)

قوله تعالى : " قل إني لن يجيرني من الله أحد " أي لا يدفع عذابه عني أحد إن استحفظته ، وهذا لأنهم قالوا اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك . وروى أبو الجوزاء عن ابن مسعود قال : انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط علي خطا ، ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه ، فقال سيد لهم يقال له وردان : أنا أزجلهم{[15485]} عنك ، فقال : ( إني لن يجيرني من الله أحد ) ذكره الماوردي . قال : ويحتمل معنيين أحدهما لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد . الثاني لن يجيرني مما قدره الله تعالى علي أحد . " ولن أجد من دونه ملتحدا " أي ملتجأ ألجأ إليه ؛ قال قتادة . وعنه : نصيرا ومولى . السدي : حرزا . الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب . وقيل : وليا ولا مولى . وقيل : مذهبا ولا مسلكا . حكاه ابن شجرة ، والمعنى واحد ، ومنه قول الشاعر :

يا لهْفَ نفسي ولَهْفِي غير مُجْدِيةٍ *** عَنِّي وما من قضاء الله مُلْتَحَدِ


[15485]:أزجلهم: أي أدفعهم. وفي ز، ط، ل: أزحلهم بالحاء، أي أنحيهم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{قُلۡ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٞ وَلَنۡ أَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا} (22)

ولما أجاب من تشوف{[69233]} إلى علة صبره عن دفعهم{[69234]} عنه بما حاصله أنه لا شيء بيده ، لأن إلهه من العظمة في إحاطة العلم{[69235]} والقدرة وأنه لا يخرج شيء عن مراده فلا يعجل في شيء بحيث لا يفعل إلا ما يريد سواء سئل أو لا ، فكان ذلك ربما أوجب أن يظن منه صلى الله عليه وسلم موافقته لهم لئلا يضروه لأنهم يستعجلون في أذى من خالفهم ، أجاب ما حاصله أنه بين ضررين أحدهما منهم إن خالفهم ، والآخر منه سبحانه وتعالى إن أعرض عنه وهو سبحانه وتعالى يرد أذاهم إن أراد ، وهم لا يقدرون على رد أذاه بوجه فقال : { قل } أي لمن يدعوك إلى موافقتهم ، وأكد لما في ظن كثير من الناس من أن الأسباب لا تتخلف فقال : { إني } وزاد في التأكيد لأن ذلك في غاية الاستقرار في النفوس فقال : { لن يجيرني } أي فيدفع عني ما يدفع الجار عن جاره { من الله } أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه{[69236]} { أحد * } أي كائناً من كان إن أرادني سبحانه بسوء . ولما كان من هو بهذه المثابة ربما{[69237]} هرب منه المطلوب قال مؤكداً : { ولن أجد } أي أصلاً . ولما كانت كل رتبة دون رتبته{[69238]} ، وكانت الرتب التي دون رتبته كثيرة جداً لما له من العلو المطلق ولغيره من{[69239]} مراتب السفول التي لا تحد ، قال مشيراً لذلك بالجارّ : { من دونه } أي الله تعالى { ملتحداً * } أي{[69240]} معدلاً وموضع ميل وركون ومدخلاً وملتجأ وحيلة ، وإن اجتهدت كل الاجتهاد لأن اللحد أصله{[69241]} الميل ولا يقال إلا في ميل من حق إلى باطل ، والحد : جادل ومارى وركن .


[69233]:- من ظ وم، وفي الأصل: يتشوف.
[69234]:- من ظ وم، وفي الأصل: دفعيهم.
[69235]:- زيد من ظ وم.
[69236]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه.
[69237]:- من ظ وم، وفي الأصل: بما.
[69238]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[69239]:- زيد من ظ وم.
[69240]:- زيد من ظ وم.
[69241]:- من ظ وم، وفي الأصل: هو.