تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِلَّآ إِبۡلِيسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

71

المفردات :

إبليس : هو أبو الجن ، وعاش من الملائكة فنسب إليهم .

التفسير :

74- { إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين } .

لكن إبليس لم يسجد لآدم ، وامتنع عن السجود كبرا وحسدا ؛ فصار من الكافرين ، وقد كان إبليس من الجن ، قال تعالى : { إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه . . . } ( الكهف : 50 ) .

وقد أقام مع الملائكة فنسب إليهم ، ولما صدرت الأوامر للملائكة بالسجود شملت من يقيم معهم ، لكن طبيعته غلبت عليه ، فامتنع عن السجود لآدم ، وادعى أنه خير من آدم ، أي : لو كان مثلي لما سجدت له ، فكيف أسجد له وأنا خير منه ؟ وما علم أنه يسجد امتثالا لأمر الله ، الذي أراد تكريم آدم بالسجود فوجب ذلك عليه ، والله يصطفي من خلقه ما يشاء ، وهو سبحانه : { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } . ( الأنبياء : 23 ) .

ولما عصى إبليس وكفر بذلك " أبعده الله عز وجل ، وأرغم أنفه ، وطرده من باب رحمته ، ومحل أُنسه ، وحضرة قدسه ، وأنزله من السماء مذموما مدحورا إلى الأرض " {[581]} .


[581]:مختصر تفسير ابن كثير تحقيق محمد علي الصابوني 3/209.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِلَّآ إِبۡلِيسَ ٱسۡتَكۡبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (74)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{إلا إبليس استكبر} حين تكبر عن السجود لآدم عليه السلام.

{وكان من الكافرين} في علم الله عز وجل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"إلاّ إبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ الكافِرِينَ" غير إبليس، فإنه لم يسجد، استكبر عن السجود له تعظما وتكبرا.

"وكانَ مِنَ الكافِرِينَ": وكان بتعظّمه ذلك، وتكبره على ربه ومعصيته أمره، ممن كفر في علم الله السابق، فجحد ربوبيته، وأنكر ما عليه الإقرار له به من الإذعان بالطاعة.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

ليعلم أن كل أحد، وإن عظم قدره وجلت منزلته، يحتمل خلاف ما هو فيه وضده، وأنه متى امتحنه بأمر، فترك أمره تكبرا أو استخفافا، خذله ووكله إلى أمره ونفسه، فصار كافرا مخذولا حقيرا، ليكونوا أبدا على حذر وفزع إلى الله عز وجل...

{وكان من الكافرين}... كان بمعنى صار من الكافرين إذ أبى السجود واستكبر، كقوله عز وجل لآدم عليه السلام عليه السلام {فتكونا من الظالمين} [البقرة: 35]

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

استثنى كما يستثنى الواحد منهم استثناء متصلاً.

{وَكَانَ مِنَ الكافرين} أريد: وجود كفره ذلك الوقت وإن لم يكن قبله كافراً؛ لأن

(كان) مطلق في جنس الأوقات الماضية، فهو صالح لأيها شئت.

فإن قلت: كيف استثنى إبليس من الملائكة وهو من الجنّ؟ قلت: قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله: {فَسَجَدَ الملائكة}...

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

أنف من السجود له جهلا بأن السجود له طاعة لله، والأنفة من طاعة الله استكبارا كفر، ولذلك كان من الكافرين باستكباره عن أمر الله تعالى...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

زاد في إيضاح العموم بالاستثناء الذي هو معياره فقال: {إلا إبليس} عبر عنه بهذا الاسم لكونه من الإبلاس: وهو انقطاع الرجاء إشارة إلى أنه في أول خطاب الله له بالإنكار عليه كان على كيفية علم منها تأبد الغضب عليه وتحتم العقوبة له.

ولما عرف بالاستثناء أنه لم يسجد، وكان مبنى السورة على استكبار الكفرة بكونهم في عزة وشقاق، بين أن المانع له من السجود الكبر تنفيراً عنه مقتصراً في شرح الاختصام عليه وعلى ما يتصل به فقال: {استكبر} أي طلب أن يكون أكبر من أن يؤمر بالسجود له وأوجد الكبر على أمر الله، وكان من المستكبرين العريقين في هذا الوصف كما استكبرتم أيها الكفرة على رسولنا، وسنرفع رسولنا صلى الله عليه وسلم كما رفعنا آدم صفينا عليه السلام على من استكبر عن السجود له، ونجعله خليفة هذا الوجود كما جعلنا آدم عليه السلام، وأشرنا إلى ذلك في هذه السورة بافتتاحها بخليفة واختتامها بخليفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر كل من أحوالهما.

ولما كان الفعل الماضي ربما أوهم أنه حدث فيه وصف لم يكن، وكان التقدير: فكفر بذلك، عطفاً عليه بياناً؛ لأنه جبل على الكفر ولم يحدث منه إلا ظهور ذلك للخلق.

{وكان} أي جبلة وطبعاً {من الكافرين} أي عريقاً في وصف الكفر الذي منشأه الكبر على الحق المستلزم للذل للباطل، فالآية من الاحتباك: ذكر فعل الاستكبار أولاً، دليلاً على فعل الكفر ثانياً، ووصف الكفر ثانياً دليلاً على وصف الاستكبار أولاً، وسر ذلك أن ما ذكره أقعد في التحذير بأن من وقع منه كبر جره إلى الكفر...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هل كان إبليس من الملائكة؟ الظاهر أنه لا؛ لأنه لو كان من الملائكة ما عصى. فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وسيجيئ أنه خلق من نار. والمأثور أن الملائكة خلق من نور، ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود، ولم يخص بالذكر الصريح عند الأمر إهمالاً لشأنه بسبب ما كان من عصيانه، إنما عرفنا أن الأمر كان قد وجه إليه من توجيه التوبيخ إليه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

قال الزجّاج: « (كان) جَارٍ على باب سائر الأفعال الماضية؛ إلاّ أن فيه إخباراً عن الحَالة فيما مضى، إذا قلت: كان زيد عالماً، فقد أنبأتَ عن أن حالته فيما مضى من الدهر هذا، وإذا قلت: سيكون عالماً فقد أنبأت عن أن حالة ستقع فيما يستقبل، فهما عبارتان عن الأفعال والأحوال» اهـ.

وقد بدتْ من إبليس نزعة كانت كامنة في جبلته وهي نزعة الكبر والعصيان، ولم تكن تظهر منه قبل ذلك؛ لأن الملأ الذي كان معهم كانوا على أكمل حسن الخلطة فلم يكن منهم مثير لما سكن في نفسه من طبع الكبر والعصيان، فلما طرأ على ذلك الملأ مخلوق جديد، وأُمر أهل الملأ الأعلى بتعظيمه كان ذلك مورِياً زناد الكبر في نفس إبليس فنشأ عنه الكفر بالله وعصيان أمره، وهذا ناموس خُلُقي جعله الله مبدأ لهذا العالم قبل تعميره، وهو أن تكون الحوادث والمضائق معيار الأخلاق والفضيلة، فلا يحكم على نفس بتزكية أو ضدها إلا بعد تجربتها وملاحظة تصرفاتها عند حلول الحوادث بها.

ووجه كونه من الكافرين أنه امتنع من طاعة الله امتناع طعن في حكمة الله وعلمه، وذلك كفر لا محالة...