تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم} لآخرته، ثم قال: {و} ما {وأخر} من خير أو شر بعد موته في دنياه، فاستن بها قوم بعده.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يُخْبَر الإنسان يومئذٍ، يعني يوم يَجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما قدّم وأخّر. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله:"بِمَا قَدّمَ وأخّرَ "؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: بما قدّم من عمل خير، أو شرّ أمامه، مما عمله في الدنيا قبل مماته، وما أخّر بعد مماته من سيئة وحسنة، أو سيئة يعمل بها من بعده.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة... وقال آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأوّل عمله وآخره.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بِما قَدّمَ من طاعة وأخّرَ من حقوق الله التي ضيّعها.
والصواب من القول في ذلك عندنا، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه مما عمل من خير أو شرّ في حياته، وأخّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم وأخّر، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ، وأخّر بعده من عمل كان عليه فضيّعه، فلم يعمله مما قدّم وأخّر، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض، فكلّ ذلك مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ينبأ من أول ما عمل إلى آخر ما انتهى إليه عمله كقوله: {لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها} [الكهف: 49].
وقد ذكرنا أنه باللطف من الله تعالى ما لم يعلم بالذي قدّم من الأعمال، وأخرها، فيتذكر بذلك حتى يصير ما كتب في الكتاب حجة عليه، وإلا فالمرء في هذه الدنيا إذا كتب كتابا، ثم أتت عليه مدة، لم يتذكر جميع ما كتب فيه، ولا وقف على علم ذلك.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
...ما قدم لدنياه، وما أخر لعقباه.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :
عند الموت يعلم ما له من خير وشر. (س: 8/364)
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي: يَعْرِف ما أسْلَفَه من ذنوب أحصاها اللَّهُ -وإن كان العبدُ نسيَها.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وما كان يرغب فيه الإنسان من المضي في الفجور بلا حساب ولا جزاء، لن يكون يومئذ، بل سيكون كل ما كسبه محسوبا، وسيذكر به إن كان نسيه، ويؤخذ به بعد أن يذكره ويراه حاضرا:
(ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر)..
بما قدمه من عمل قبل وفاته، وبما أخره وراءه من آثار هذا العمل خيرا كان أم شرا. فمن الأعمال ما يخلف وراءه أثارا تضاعف لصاحبها في ختام الحساب!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وينبغي أن يكون المراد ب {الإِنسان} الكافر جرياً على سياق الآيات السابقة لأنه المقصود بالكلام وإن كان كل إنسان ينبأ يومئذٍ بما قدم وأخر من أهل الخير ومن أهل الشر قال تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء} الآية [آل عمران: 30]. واختلاف مقامات الكلام يمنع من حمل ما يقع فيها من الألفاظ على محمل واحد، فإن في القرآن فنوناً من التذكير لا تلزم طريقة واحدة. وهذا مما يغفل عن مراعاته بعض المفسرين في حملهم معاني الآيات المتقاربة المغزى على محامل متماثلة.
وتنبئةُ الإِنسان بما قدّم وأخرّ كناية عن مجازاته على ما فعله: إن خيراً فخيرٌ وإن سُوءاً فسوءٌ، إذ يقال له: هذا جزاء الفعلة الفلانية فيعلم من ذلك فعلَته ويلقَى جزاءها، فكانَ الإِنباء من لوازم الجزاء، قال تعالى: {قل بلى وربي لَتُبْعَثُنّ ثم لَتُنَبَّؤنَّ بما عَمِلتم} [التغابن: 7] ويحصل في ذلك الإِنباء تقريع وفضح لحاله.
والمراد ب {ما قدم}: ما فَعَله وب {ما أخرّ}: ما تركه مما أُمر بفعله أو نهي عن فعله في الحالين فخالف ما كُلف به ومما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم من الدعاء: « فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت».
قوله تعالى : " ينبأ الإنسان " أي يخبر ابن آدم برا كان أو فاجرا " بما قدم وأخر " : أي بما أسلف من عمل سيء أو صالح ، أو أخر من سنة سيئة أو صالحة يعمل بها بعده ، قاله ابن عباس وابن مسعود . وروى منصور عن مجاهد قال : ينبأ بأول عمله وآخره . وقاله النخعي . وقال ابن عباس أيضا : أي بما قدم من المعصية ، وأخر من الطاعة . وهو قول قتادة . وقال ابن زيد : " بما قدم " من أمواله لنفسه " وأخر " : خلف للورثة . وقال الضحاك : ينبأ بما قدم من فرض ، وأخر من فرض . قال القشيري : وهذا الإنباء يكون في القيامة عند وزن الأعمال . ويجوز أن يكون عند الموت .
قلت : والأول أظهر ؛ لما خرجه ابن ماجة في سننه من حديث الزهري ، حدثني أبو عبد الله الأغر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره ، وولدا صالحا تركه ، أو مصحفا ورثه أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته ) وخرجه أبو نعيم الحافظ بمعناه من حديث قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سبع يجري أجرهن للعبد بعد موته وهو في قبره : من علم علما أو أجرى نهرا أو حفر بئرا أو غرس نخلا أو بنى مسجدا أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته ) فقوله : ( بعد موته وهو في قبره ) نص على أن ذلك لا يكون عند الموت ، وإنما يخبر بجميع ذلك عند وزن عمله ، وإن كان يبشر بذلك في قبره . ودل على هذا أيضا قوله الحق : " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم{[15611]} " [ العنكبوت : 13 ] وقوله تعالى : " ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم{[15612]} " [ النحل : 25 ] وهذا لا يكون إلا في الآخرة بعد وزن الأعمال . والله أعلم . وفي الصحيح : ( من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) .
ولما كان موضع السؤال عن علة هذا الاستقرار ، قال مستأنفاً بانياً للمفعول لأن المنكىء إنما هو كشف الأسرار{[70156]} لا كونه من كاشف معين ، وللدلالة على يسر ذلك عليه سبحانه وتعالى بأن من-{[70157]} ندبه إلى ذلك فعله كائناً من كان : { ينبؤا } أي يخبر تخبيراً عظيماً مستقصىً { الإنسان يومئذ } أي-{[70158]} إذ{[70159]} كان هذا الزلزال الأكبر { بما قدم } أي من عمله العظيم { وأخر * } أي في أول عمره وآخره - كناية عن الاستقصاء أو بما قدمه فآثره على غيره هل هو الشرع أو الهوى أو بما عمل في مدة عمره و{[70160]} بما أخر عمله لمعاجلة{[70161]} الموت له عنه فيخبر{[70162]} بما{[70163]} كان يعمله من{[70164]} أمله لو مد في أجله ، أو الذي قدمه هو ما عمله بنفسه وما أخره هو ما سنه فعمل به الناس من بعده من خير أو شر - قاله ابن عباس رضي الله عنهما{[70165]} ، {[70166]}وعليه{[70167]} مشى الغزالي في الباب الثالث من كتاب البيع{[70168]} من الإحياء .