تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ} (33)

30

المفردات :

الآيات : المعجزات ، كفلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى .

بلاء مبين : اختبار ظاهر .

التفسير :

33- { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } .

أعطيناهم من المعجزات والكرامات ما فيه اختبار ظاهر ، حيث أنزل الله عليهم المن والسلوى ، واستخلفهم في جانب من أرض الشام ، حتى إذا تم امتحانهم وانقضت فترة استخلافهم ، أخذهم الله بانحرافهم ، وسلط عليهم من ينتقم ويشردهم في الأرض ، وكتب عليهم الذلة والمسكنة وتوعدهم أن يعودوا إلى النكال والتشريد كلما بغوا في الأرض إلى يوم الدين .

في أعقاب التفسير فساد بني إسرائيل في الأرض

نلاحظ أن اليهود يتمسكون بمثل هذه الآيات التي تفيد أن الله اصطفاهم واختارهم على علم لهم ، وفضلهم على العالمين ، وروح القرآن تفيد أن الله اختارهم واصطفاهم عندما أطاعوا موسى ، واتبعوا تعاليم التوراة فأورثهم الأرض ، وما إن تمكنوا وصلح حالهم حتى استبدوا وفسدوا ؛ فسلط الله عليهم من ينتقم منهم انتقاما بليغا ، وتوعدهم بهذه العقوبة كلما عادوا إلى الفساد .

وفي صدر سورة الإسراء أفاد القرآن الكريم ما يأتي :

( أ ) لبني إسرائيل إفساد في الأرض متكرر ، وهناك مرتان هما أعلى هذا الإفساد .

( ب ) يسلط الله عليهم في الإفساد الأول من ينتقم منهم ويخرب ديارهم .

( ج‌ ) يستردون عافيتهم ، ويمدهم الله بالمال والرجال .

( د ) كلما عادوا إلى الإساءة سلط الله عليهم من ينتقم منهم ، ومن يخرب هيكلهم ومن يهدم ممتلكاتهم .

ويفيد المؤرخون أن أفضل أيام بني إسرائيل كانت أيام ملك داود وسليمان عليهما السلام ، ثم كان الإفساد الأول حيث سلط الله عليهم بختنصر البابلي سنة 606 قبل الميلاد ، ثم ساعدهم قدرش الفارسي الذي تزوج من يهودية ، فحسنت له مساعدة اليهود حتى استردوا ملكهم وأعادوا بناء هيكلهم سنة 526 قبل الميلاد ، ثم ما لبثوا أن عادوا إلى الإفساد والظلم ، ثم سلط الله عليهم في الإفساد الثاني الرومان بقيادة تيطس سنة 70 م ، وقد كان إذلالهم في المرة الثانية أشد وأنكى ، وقد تفرق اليهود في البلاد بعد هزيمتهم الثانية وأصبح تاريخهم ملحقا بتاريخ الممالك التي نزلوا فيها ، ولم يرجع اليهود إلى فلسطين إلا في العصر الحديث .

الآيات التي تحدثت عن فساد بني إسرائيل :

قال تعالى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ( 4 ) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ( 5 ) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ( 6 ) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( 7 ) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ( 8 ) } . ( الإسراء : 4-8 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ} (33)

الآيات : المعجزات .

بلاءٌ مبين : اختبار ظاهر .

وأعطاهم من المعجزات ما فيه اختبارٌ ظاهر لهم وبلاء . كما قال تعالى : { وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ} (33)

قوله تعالى : " وآتيناهم من الآيات " أي من المعجزات لموسى . " ما فيه بلاء مبين " قال قتادة : الآيات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم ، وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى . ويكون هذا الخطاب متوجها إلى بني إسرائيل . وقيل : إنها العصا واليد . ويشبه أن يكون قول الفراء . ويكون الخطاب متوجها إلى قوم فرعون . وقول ثالث : إنه الشر الذي كفهم عنه والخبر الذي أمرهم به . قاله عبد الرحمن بن زيد . ويكون الخطاب متوجها إلى الفريقين معا من قوم فرعون وبني إسرائيل . وفي قوله : " بلاء مبين " أربعة أوجه : أحدها : نعمة ظاهرة . قاله الحسن وقتادة . كما قال الله تعالى : " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " {[13736]} [ الأنفال : 17 ] . وقال زهير :

فأبلاهُما خيرَ البلاء الذي يبلُو{[13737]}

الثاني : عذاب شديد . قاله الفراء . الثالث : اختبار يتميز به المؤمن من الكافر ، قاله عبد الرحمن بن زيد . وعنه أيضا : ابتلاؤهم بالرخاء والشدة ، ثم قرأ " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " {[13738]} [ الأنبياء : 35 ] .


[13736]:آية 17 سورة الأنفال.
[13737]:صدره: *رأى الله بالإحسان ما فعلا بكم*.
[13738]:آية 35 سورة الأنبياء.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ} (33)

ولما أعلم باختيارهم ، بين آثار الاختيار فقال : { وآتيناهم } أي على ما لنا من العظمة { من الآيات } أي العلامات الدالة على عظمتنا واختيارنا لهم من حين أتى موسى عبدنا عليه الصلاة والسلام فرعون{[57561]} إلى أن فارقهم بالوفاة وبعد وفاته على أيدي الأنبياء المقررين لشرعه عليهم الصلاة والسلام { ما فيه بلاؤا } أي اختبار مثله يميل من ينظره أو يسمعه أو يحيله إلى غير ما كان{[57562]} عليه ، وذلك بفرق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما رأوه{[57563]} من الآيات التسع ، وفي هذا ما هو رادع{[57564]} للعرب عن بعض أقوالهم من خوف التخطف من العرب{[57565]} والفقر لقطع الجلب عنهم وغير ذلك { مبين * } أي بين لنفسه موضح لغيره ، و{[57566]}ما أنسب هذا الختم لقوله أول قصتهم " ولد فتنا قبلهم قوم فرعون " .


[57561]:زيد في الأصل: لعنه الله، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[57562]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: كانوا.
[57563]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: طلبوه.
[57564]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: ردع.
[57565]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: القرب.
[57566]:في الأصل و ظ بياض ملأناه من م ومد.