الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ ٱلۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ} (33)

ثم قال تعالى : { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } أي : وأعطيناهم{[62180]} من العبر والعظات ما فيه اختبار يبين{[62181]} لمن تأمله أنه اختبار اختبرهم الله عز وجل به{[62182]} .

وقيل المعنى : آتيناهم نعما عظيمة وعبرا ظاهرة .

روي أن الله عز وجل أنزل ببيت المقدس سلسلة معلقة من السماء فكانوا يتحاكمون في حقوقهم وخصوماتهم ودعاويهم{[62183]} إلى السلسلة . فمن كان محقا{[62184]} أدرك بيده مس السلسلة ، ومن كان مبطلا لم يدرك بيده مسها ، فلم يزالوا كذلك حتى مكروا/ فرفعت ، وذلك فيما روي أن رجلا{[62185]} منهم أودع رجلا مالا فجحده المودع عنده ، فتحاكما إلى السلسلة فعمد الذي جحد الوديعة إلى كلخ فقأ{[62186]} داخله ، ثم أدخل فيه الوديعة . فلما أتيا إلى السلسلة قال الجاحد للوديعة لرب المال : أمسك لي هذه الكلخة ( في يدك ){[62187]} حتى أمس السلسلة ، فأمسكها رب المال وهو لا يعلم بما فيها . ثم تقدم الجاحد بحضرة الناس ، وقال : اللهم إن كنت تعلم أني قد وضعت ماله في يده وقبضه مني فأسألك ألا تفضحني ومد يده فأدرك السلسلة فأقبل صاحب المال يقول : والله يا بني إسرائيل ( إن هذه السلسلة لباطل وزور ، فرفع الله السلسلة من ذلك الوقت .

ويروى أنه كان لهم عمودان ، فإذا أنهم أحد بزنى{[62188]} فأقَرَّ رُجم ، وإن جحد أدخل بين ){[62189]} العمودين فإن كان كاذبا انضما{[62190]} عليه فقتلاه ، وإن ( كان بريئا ){[62191]} سلم .

وكان الرجل{[62192]} منهم{[62193]} يعمل الذنب لا يعلم{[62194]} به أحد فيصبح ويجده مكتوبا على بابه .

قال قتادة : البلاء هو{[62195]} أنه ( تعالى نجاهم ){[62196]} من عدوهم ، ثم أقطعهم البحر وظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى{[62197]} . فيكون البلاء هنا على قول قتادة ، النعمة .

وقال ابن زيد : ابتلاهم بالخير والشر ، يختبرهم فيما آتاهم من الآيات ، من يؤمن بها{[62198]} ومن يكفر{[62199]} .


[62180]:(ح): (وآتيناهم).
[62181]:(ح): بين.
[62182]:ساقط من (ح).
[62183]:(ت): (ودعاؤهم).
[62184]:(ت): (بحقا).
[62185]:(ت): (رجالا).
[62186]:(ت): فنق والذي ترجح لدي أن (فقأ) أحق بالإثبات في المتن، ذلك أن مراجعة معاجم اللغة في مدلول (فنق) أكدت أن الفنق والفناق والتفنق، كله: النعمة في العيش. انظر اللسان (مادة: فنق). أما الفقء فإن معناه: الشق، كما جاء في النهاية في غريب الحديث 3/234.
[62187]:(ح): (بيدك).
[62188]:(ح): (أحدا).
[62189]:ساقط من (ت).
[62190]:(ت): (أي ظما).
[62191]:(ح): (بريا).
[62192]:(ت): (رجل).
[62193]:فوق السطر في (ت).
[62194]:في طرة (ح) و(ت): (لا يعمل).
[62195]:ساقط من (ح).
[62196]:(ح): (أنجاهم).
[62197]:انظر جامع البيان 25/75. وقد أورد القرطبي هذا القول في جامعه مختصرا عن قتادة 16/143.
[62198]:(ح): (به).
[62199]:انظر جامع القرطبي 16/143.