تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

38

ولا بقول كاهن قليلا ما تذكّرون .

فالقرآن منهج متكامل للحياة ، يتفق مع الفطرة ويقنع العقل ، أما الكهانة فهي كلمات متناسقة ، لا تكون منهجا محيطا بالكون والحياة كما نجده في القرآن .

فمن الكهانة قول بعض الكهّان :

( والقمر الباهر ، والكوكب الزاهر ، وما في الأرض من سائر ، من منجد وعاثر ، لقد سبق هاشم أمية إلى المآثر ) .

أما الآيات القرآن فتفيد أن الكون كلّه في رعاية الرحمان مثل :

إن الله يمسك السماوات والأرض أن لا تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا . ( فاطر : 41 ) .

ومثل قوله سبحانه : إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميّت ومخرج الميّت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون* فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم . ( الأنعام : 95 ، 96 ) .

ومثل قوله عز وجل : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب . ( آل عمران : 26 ، 27 ) .

والكاهن يعتمد على الشياطين في نقل بعض الأخبار عن السماء ، والقرآن ورد بسبّ الشياطين ، فلا يعقل أن يكون بإلهامهم ، والقرآن الكريم فيه لفتات ليس من طبيعة البشر أن يلتفتوها ، مثل التعبير عن العلم الشامل الدقيق اللطيف ، في قوله تعالى : وعنده ، مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين . ( الأنعام : 59 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

أو ساحر ، وأن الذي حملهم على ذلك عدم إيمانهم وتذكرهم ، فلو آمنوا وتذكروا ، لعلموا ما ينفعهم ويضرهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

ولما كان من يعرف الشعر يعرف النثر فهو أعلى فقدمه ، أتبعه النثر فقال : { ولا بقول كاهن } وهو المنجم الذي يخبر عن أشياء يوهمها لرئي يخبره بذلك ، وأغلبها ليس لها صحة ، وعبارته عن ذلك بالسجع المتكلف المقصود{[68173]} كونه سجعاً الذي يكون المعنى فيه{[68174]} تابعاً للفظ للتحلية بمشاكلة المقاطع .

ولما كانت مباينة القرآن للسجع خفية جداً لما فيه من الفواصل في الأغلب وتركها في البعض فارق لأن الساجعين لا يرضون أن يأتوا بقرينة لا أخت لها ويعدون ذلك وعياً عيباً رديئاً ، وكذا تطويل السجعة عن قرينتها وتضعيفها على عديلتها لا يرضى به ساجع ولو أنه هاجع ، ومباينة النبي صلى الله عليه وسلم للكهنة{[68175]} ظاهرة جداً ، فإن الكاهن من ينصب نفسه للدلال على الضوائع والإخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيراً ، ويأخذ الجعل على ذلك ، ويقتصر على من يسأله ، فعبر لذلك ب " كاهن " دون " ساجع " أدار أمره على التفكر فقال : { قليلاً ما } وأكد أمر القلة والخفاء بإدغام تاء التفعل فقال تعالى : { تذكرون * } فلذلك يلتبس عليكم الأمر أو على من تلبسون عليه بذلك ، فعلم أن الذي يفرق بينهما موجود فيهم لأنه يرى أن الكتاب تابع للمعنى الصحيح الثابت ، فإن صح غاية الصحة مع وجود القرائن المتوافقة في الروي كان وإلا انتقل عن ذلك إلى قرائن غير متوافقة في روي ولا ما يقاربه ، أو{[68176]} قريبة مفردة مع إمكان جعلها كما قبلها لكن مع نقصان{[68177]} المقصود وطول الكلام ونحو ذلك ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدّع يوماً من الأيام علم الغيب ولا نصب نفسه الشريفة لشيء مما الكهان فيه ولا نقل في ساعة من الدهر عن الجن{[68178]} خبراً ذكر أنه استفاده{[68179]} منهم ولا مدحهم لذلك كما تفعل الكهان ، بل ذم الفاسقين منهم غاية الذم وقال : إن أكثر ما يأتون به الكذب ، ولا سأل جعلاً عما يدعو إليه ولا اقتصر على من يأتيه{[68180]} للسؤال ، بل هو صلى الله عليه وسلم يتبع الناس في مجامعهم{[68181]} يدعوهم إلى الله بإنقاذهم نم الضلال فمباينته {[68182]}للكهان لا يحتاج{[68183]} إلى غير تذكر قليل - كما أشار إليه إدغام تاء التفعل{[68184]} - فثبت أن القول ليس بكهانة{[68185]} ، وقائله والمؤدي له ليس بكاهن ، ونسبة القول إلى المبلغ لكونه مبلغاً واضحة الصحة .


[68173]:- زيد من ظ وم.
[68174]:- من ظ وم، وفي الأصل: منه.
[68175]:- من ظ وم، وفي الأصل: لكهنة.
[68176]:- زيد من ظ وم.
[68177]:- من ظ وم، وفي الأصل: إمكان.
[68178]:- زيد من ظ وم.
[68179]:- من ظ وم، وفي الأصل: استفاد.
[68180]:- من ظ وم، وفي الأصل: يأتوه.
[68181]:- من ظ وم، وفي الأصل: مجامعتهم.
[68182]:- من ظ وم، وفي الأصل: للكفار لا تدعوه محتاج.
[68183]:- من ظ وم، وفي الأصل: للكفار لا تدعوه محتاج.
[68184]:- من ظ وم، وفي الأصل: الافتعال.
[68185]:- من م، وفي الأصل وظ: بالكهانة.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

قوله : { ولا بقول كاهن } ليس النبي بكاهن . فإن الكاهن يهذي هذيان المحموم الذي خالط عقله العته والجنون فما يفرز غير المكذوب من الكلام المضطرب . لكن النبي صلى الله عليه وسلم لهو في الذروة العليا من أولي النباهة والفطانة والخلق العظيم . والكهان ديدنهم الكلام المسجوع الفارغ من كل مضمون نافع والذي لا يعبأ قائله بالمعاني . فهو لا خير فيه ولا فائدة البتة . وإنما هو الكلام العشوائي المصفوف القائم على وحدة الحرف في أواخر الجمل والعبارات . لكن القرآن نظم مميز فذّ ، فهو ليس بالشعر ولا بالنثر ولا بالسجع ولا بالخطابة ولا بالرسالة . فهو ليس على صنف من أصناف الكلام وإنما هو القرآن وكفى . وهو تجتمع فيه كل ظواهر الإعجاز من روعة المبنى وعظيم المعنى .

قوله : { قليلا ما تذكّرون } أي لا تتذكرون إلا قليلا والمراد بالقلة ههنا النفي أو العدم . أي فهم لا يتذكرون البتة .