البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

ونفى تعالى أن يكون قول شاعر لمباينته لضروب الشعر ؛ ولا قول كاهن لأنه ورد بسبب الشياطين .

وانتصب { قليلاً } على أنه صفة لمصدر محذوف أو لزمان محذوف ، أي تؤمنون إيماناً قليلاً أو زماناً قليلاً .

وكذا التقدير في : { قليلاً ما تذكرون } ، والقلة هو إقرارهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا الله .

وقال ابن عطية : ونصب { قليلاً } بفعل مضمر يدل عليه { تؤمنون } ، وما تحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة .

ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، والمتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي ، لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئاً ، إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي كان يأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حق صواب . انتهى .

أمّا قوله : ونصب قليلاً بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون فلا يصح ، لأن ذلك الفعل الدال عليه { تؤمنون } إما أن تكون ما نافية أو مصدرية ، كما ذهب إليه .

فإن كانت نافية ، فذلك الفعل المضمر الدال عليه تؤمنون المنفي بما يكون منفياً ، فيكون التقدير : ما تؤمنون قليلاً ما تؤمنون ، والفعل المنفي بما لا يجوز حذفه ولا حذف ما لا يجوز زيداً ما أضربه ، على تقدير ما أضرب زيداً ما أضربه ، وإن كانت مصدرية كانت ما في موضع رفع على الفاعلية بقليلاً ، أي قليلاً إيمانكم ، ويبقى قليلاً لا يتقدمه ما يعتمد عليه حتى يعمل ولا ناصب له ؛ وإما في موضع رفع على الابتداء ، فيكون مبتدأ لا خبر له ، لأن ما قبله منصوب لا مرفوع .

وقال الزمخشري : والقلة في معنى العدم ، أي لا تؤمنون ولا تذكرون البتة ، والمعنى : ما أكفركم وما أغفلكم . انتهى .

ولا يراد بقليلاً هنا النفي المحض ، كما زعم ، وذلك لا يكون إلا في أقل نحو : أقل رجل يقول ذلك إلا زيد ، وفي قل نحو : قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد .

وقد تستعمل في قليل وقليلة إذا كانا مرفوعين ، نحو ما جوزوا في قوله :

قليل بها الأصوات إلا بغاتها . . .

أما إذا كان منصوباً نحو : قليلا ضربت ، أو قليلاً ما ضربت ، على أن تكون ما مصدرية ، فإن ذلك لا يجور ، لأنه في : قليلاً ضربت منصوب بضربت ، ولم تستعمل العرب قليلاً إذا انتصب بالفعل نفياً ، بل مقابلاً لكثير .

وأمّا في قليلاً ما ضربت على أن تكون ما مصدرية ، فتحتاج إلى رفع قليل ، لأن ما المصدرية في موضع رفع على الابتداء .

وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بخلاف عنهما ؛ والجحدري والحسن : يؤمنون ، يذكرون : بالياء فيهما ؛ وباقي السبعة : بتاء الخطاب ؛ وأبيّ : بياءين .