مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَا بِقَوۡلِ كَاهِنٖۚ قَلِيلٗا مَّا تَذَكَّرُونَ} (42)

قوله تعالى : { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون }

وهاهنا مسائل :

المسألة الأولى : قرأ الجمهور : تؤمنون وتذكرون بالتاء المنقوطة من فوق على الخطاب إلا ابن كثير ، فإنه قرأهما بالياء على المغايبة ، فمن قرأ على الخطاب ، فهو عطف على قوله : { بما تبصرون وما لا تبصرون } ومن قرأ على المغايبة سلك فيه مسلك الالتفات .

المسألة الثانية : قالوا : لفظة ما في قوله : { قليلا ما تؤمنون ، قليلا ما تذكرون } لغو وهي مؤكدة ، وفي قوله : { قليلا } وجهان ( الأول ) قال مقاتل : يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله ، والمعنى لا يؤمنون أصلا ، والعرب يقولون : قلما يأتينا يريدون لا يأتينا ( الثاني ) أنهم قد يؤمنون في قلوبهم ، إلا أنهم يرجعون عنه سريعا ولا يتمون الاستدلال ، ألا ترى إلى قوله : { إنه فكر وقدر } إلا أنه في آخر الأمر قال : { إن هذا إلا سحر يؤثر } .

المسألة الثالثة : ذكر في نفي الشاعرية { قليلا ما تؤمنون } وفي نفي الكاهنية { ما تذكرون } والسبب فيه كأنه تعالى قال : ليس هذا القرآن قولا من رجل شاعر ، لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون ، أي لا تقصدون الإيمان ، فلذلك تعرضون عن التدبر ، ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم : إنه شاعر ، لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر ، ولا أيضا بقول كاهن ، لأنه وارد بسبب الشياطين وشتمهم ، فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين ، إلا أنكم لا تتذكرون كيفية نظم القرآن ، واشتماله على شتم الشياطين ، فلهذا السبب تقولون : إنه من باب الكهانة .