تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

56

{ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون } .

التفسير :

ونلمح ان الله تعالى يمدح المؤمنين ويثني على صفاتهم بعد أن ذكر عقاب الكافرين ووعيدهم فقد أثنى الله على صفاتهم ومنها الصبر والتوكل أي صبروا على أذى المشركين وعلى الهجرة وفراق الوطن متوكلين على الله فهم قد عملوا ما عليهم وتركوا لله نجاح سعيهم وهذه حقيقة التوكل أي : الأخذ بالأسباب وترك النتائج على رب الأرباب ، وبهذا نفرق بين التوكل والتواكل ، فقد رأى سيدنا عمر بن الخطاب قوما من أهل اليمن فقال لهم : ما حرفتكم ؟ قالوا : نحن متوكلون فقال لهم : أنتم متواكلون ، المتوكل هو الذي يبذر البذرة وينتظر من الله إنضاج الثمرة .

أي أن الفلاح يحرث الأرض ويسقيها ويبذر البذرة ويتعهدها بالنظافة والسماد والسقي ثم ينتظر الحصاد ، وكذلك المتوكل يأخذ بالأسباب ويعمل الأعمال اللازمة في السعي للدنيا والجهاد والهجرة ، ثم يتوكل على الله معتمدا على فضله ورزقه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

{ الَّذِينَ صَبَرُوا } على عبادة اللّه { وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } في ذلك . فصبرهم على عبادة اللّه ، يقتضي بذل الجهد والطاقة في ذلك ، والمحاربة العظيمة للشيطان ، الذي يدعوهم إلى الإخلال بشيء من ذلك ، وتوكلهم ، يقتضي شدة اعتمادهم على اللّه ، وحسن ظنهم به ، أن يحقق ما عزموا عليه من الأعمال ويكملها ، ونص على التوكل ، وإن كان داخلا في الصبر ، لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به ، ولا يتم إلا به .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

ثم نعتهم بقوله : " الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون " وقرأ أبو عمرو ويعقوب والجحدري وابن إسحاق وابن محيصن والأعمش وحمزة والكسائي وخلف : " يا عبادي " بإسكان الياء وفتحها الباقون " إن أرضي " فتحها ابن عامر وسكنها الباقون وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من فر بدينه من أرض إلي أرض ولو قيد شبر استوجب الجنة وكان رفيق محمد وإبراهيم ) عليهما السلام . " ثم إلينا ترجعون " . وقرأ السلمي وأبو بكر عن عاصم : " يرجعون " بالياء ؛ لقوله : " كل نفس ذائقة الموت " وقرأ الباقون بالتاء ؛ لقوله : " يا عبادي الذين آمنوا " وأنشد بعضهم :

الموت في كل حين ينشدُ الكَفَنَا *** ونحن في غفلة عما يُرَادُ بِنَا

لا تركننَّ إلى الدنيا وزهرتِها *** وإن تَوَشَّحَتْ من أثوابِهَا الحَسَنَا

أين الأحبة والجيران ما فعلوا *** أين الذين هُمُو كانوا لها سَكَنَا

سقاهم الموت كأسا غيرَ صافيةٍ *** صيَّرهم تحت أطباق الثَّرَى رُهُنَا

قوله تعالى : " لنبوئنهم من الجنة غرفا " وقر أ ابن مسعود والأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي : " لنثوينهم " بالثاء مكان الباء من الثوى وهو الإقامة ، أي لنعطينهم غرفا يثوون فيها ، وقرأ رويس عن يعقوب والجحدري والسلمي : " ليبوئنهم " بالياء مكان النون . الباقون " لنبوئنهم " أي لننزلنهم " غرفا " جمع غرفة وهي العلية المشرفة . وفي صحيح مسلم عن سهل{[12421]} بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما تتراؤون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم ) قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : ( بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) . وخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن في الجنة لغرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها ) فقام إليه أعرابي فقال : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وأدام الصيام وصلى لله بالليل والناس نيام ) وقد زدنا هذا المعنى بيانا في كتاب ( التذكرة ) والحمد لله .


[12421]:هذه رواية أبي سعيد الخدري، كما في صحيح مسلم.