الآيات : المعجزات ، كفلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى .
33- { وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين } .
أعطيناهم من المعجزات والكرامات ما فيه اختبار ظاهر ، حيث أنزل الله عليهم المن والسلوى ، واستخلفهم في جانب من أرض الشام ، حتى إذا تم امتحانهم وانقضت فترة استخلافهم ، أخذهم الله بانحرافهم ، وسلط عليهم من ينتقم ويشردهم في الأرض ، وكتب عليهم الذلة والمسكنة وتوعدهم أن يعودوا إلى النكال والتشريد كلما بغوا في الأرض إلى يوم الدين .
في أعقاب التفسير فساد بني إسرائيل في الأرض
نلاحظ أن اليهود يتمسكون بمثل هذه الآيات التي تفيد أن الله اصطفاهم واختارهم على علم لهم ، وفضلهم على العالمين ، وروح القرآن تفيد أن الله اختارهم واصطفاهم عندما أطاعوا موسى ، واتبعوا تعاليم التوراة فأورثهم الأرض ، وما إن تمكنوا وصلح حالهم حتى استبدوا وفسدوا ؛ فسلط الله عليهم من ينتقم منهم انتقاما بليغا ، وتوعدهم بهذه العقوبة كلما عادوا إلى الفساد .
وفي صدر سورة الإسراء أفاد القرآن الكريم ما يأتي :
( أ ) لبني إسرائيل إفساد في الأرض متكرر ، وهناك مرتان هما أعلى هذا الإفساد .
( ب ) يسلط الله عليهم في الإفساد الأول من ينتقم منهم ويخرب ديارهم .
( ج ) يستردون عافيتهم ، ويمدهم الله بالمال والرجال .
( د ) كلما عادوا إلى الإساءة سلط الله عليهم من ينتقم منهم ، ومن يخرب هيكلهم ومن يهدم ممتلكاتهم .
ويفيد المؤرخون أن أفضل أيام بني إسرائيل كانت أيام ملك داود وسليمان عليهما السلام ، ثم كان الإفساد الأول حيث سلط الله عليهم بختنصر البابلي سنة 606 قبل الميلاد ، ثم ساعدهم قدرش الفارسي الذي تزوج من يهودية ، فحسنت له مساعدة اليهود حتى استردوا ملكهم وأعادوا بناء هيكلهم سنة 526 قبل الميلاد ، ثم ما لبثوا أن عادوا إلى الإفساد والظلم ، ثم سلط الله عليهم في الإفساد الثاني الرومان بقيادة تيطس سنة 70 م ، وقد كان إذلالهم في المرة الثانية أشد وأنكى ، وقد تفرق اليهود في البلاد بعد هزيمتهم الثانية وأصبح تاريخهم ملحقا بتاريخ الممالك التي نزلوا فيها ، ولم يرجع اليهود إلى فلسطين إلا في العصر الحديث .
الآيات التي تحدثت عن فساد بني إسرائيل :
قال تعالى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ( 4 ) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ( 5 ) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ( 6 ) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ( 7 ) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ( 8 ) } . ( الإسراء : 4-8 ) .
قوله تعالى : " وآتيناهم من الآيات " أي من المعجزات لموسى . " ما فيه بلاء مبين " قال قتادة : الآيات إنجاؤهم من فرعون وفلق البحر لهم ، وتظليل الغمام عليهم وإنزال المن والسلوى . ويكون هذا الخطاب متوجها إلى بني إسرائيل . وقيل : إنها العصا واليد . ويشبه أن يكون قول الفراء . ويكون الخطاب متوجها إلى قوم فرعون . وقول ثالث : إنه الشر الذي كفهم عنه والخبر الذي أمرهم به . قاله عبد الرحمن بن زيد . ويكون الخطاب متوجها إلى الفريقين معا من قوم فرعون وبني إسرائيل . وفي قوله : " بلاء مبين " أربعة أوجه : أحدها : نعمة ظاهرة . قاله الحسن وقتادة . كما قال الله تعالى : " وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا " {[13736]} [ الأنفال : 17 ] . وقال زهير :
فأبلاهُما خيرَ البلاء الذي يبلُو{[13737]}
الثاني : عذاب شديد . قاله الفراء . الثالث : اختبار يتميز به المؤمن من الكافر ، قاله عبد الرحمن بن زيد . وعنه أيضا : ابتلاؤهم بالرخاء والشدة ، ثم قرأ " ونبلوكم بالشر والخير فتنة " {[13738]} [ الأنبياء : 35 ] .
ولما أعلم باختيارهم ، بين آثار الاختيار فقال : { وآتيناهم } أي على ما لنا من العظمة { من الآيات } أي العلامات الدالة على عظمتنا واختيارنا لهم من حين أتى موسى عبدنا عليه الصلاة والسلام فرعون{[57561]} إلى أن فارقهم بالوفاة وبعد وفاته على أيدي الأنبياء المقررين لشرعه عليهم الصلاة والسلام { ما فيه بلاؤا } أي اختبار مثله يميل من ينظره أو يسمعه أو يحيله إلى غير ما كان{[57562]} عليه ، وذلك بفرق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك مما رأوه{[57563]} من الآيات التسع ، وفي هذا ما هو رادع{[57564]} للعرب عن بعض أقوالهم من خوف التخطف من العرب{[57565]} والفقر لقطع الجلب عنهم وغير ذلك { مبين * } أي بين لنفسه موضح لغيره ، و{[57566]}ما أنسب هذا الختم لقوله أول قصتهم " ولد فتنا قبلهم قوم فرعون " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.