تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ثُمَّ أَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ} (31)

قصة هود عليه السلام

{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ ( 31 ) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ ( 32 ) وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ( 33 ) وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ ( 34 ) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ( 35 ) هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ( 36 ) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( 37 ) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ ( 38 ) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ ( 39 ) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ( 40 ) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 41 ) } .

التفسير :

31 - ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ .

القرن : الأمة ، والمراد بهم : عاد قوم هود ؛ لقوله تعالى : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح . . . ( الأعراف : 69 ) .

أرسل الله نوحا إلى قومه فدعاهم إلى توحيد الله وعبادته سبحانه وعدم عبادة الأصنام ، وقد مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما وما آمن معه إلا قليل ؛ ثم أهلك الله قومه بالطوفان .

وتبدأ من هذه الآية قصة قوم آخرين ، هم على الأرجح عاد قوم هود ، والمراد بقوله تعالى : قرنا آخرين . أمة أو جماعة مجتمعة في زمان واحد ، سموا بذلك لتقدمهم على من بعدهم ، تقدم القرن على الحيوان .

وقال بعض المفسرين : هم ثمود قوم صالح ، لأنهم هم الذين جاء ذكرهم في القرآن بأنهم أهلكوا بالصيحة ؛ أي : صاح بهم الملاك صيحة ؛ تقطعت لها قلوبهم فماتوا .

قال تعالى : فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . ( المؤمنون : 41 ) .

وقد يكونون أمة أخرى غيرهما ، ولهذا لم يصرح باسمهم ولا باسم رسولهم ، لأن المراد بيان رسالة الرسل ، وتكذيب أقوامهم ، حتى لتتشابه كلمات الرسل وجوهرها : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ . وتتشابه كلمات الأمم المكذبة ، وتتلخص فيما يأتي :

1 – الرسول بشر مثلنا لا يمتاز علينا .

2 – لماذا نتبعه ونجعل له الفضل والسبق علينا وهو مثلنا .

3 – البعث والحساب والجزاء أمر بعيد غير متوقع .

لهذا لم تهتم هذه السورة بذكر اسم الرسول ، ولا ذكر اسم الأمة المرسل إليها ؛ لبيان أن هذا شأن من شئون الرسل مع أقوامهم ، وقد تحدثت سورة ( المؤمنون ) عن عدد من الرسل ، ولم تهتم بالتفصيلات التي وردت في سور أخرى ، كسورتي : الأعراف ، وهود ، لأن المراد هنا ليس التقصي والتفصيل ، إنما هو لتقرر الكلمة الواحدة التي جاء بها الجميع ، والاستقبال الواحد الذي لقوه من الجميع ، ومن ثم بدأ بذكر نوح – عليه السلام – ليحدد نقطة البدء ، وانتهى بموسى وعيسى ليحدد النقطة الأخيرة ، قبل الرسالة الخاتمة .

ولم يذكر الأسماء في وسط السلسة الطويلة ، كي يدل على تشابه حلقاتها بين البدء والنهاية ، إنما ذكر الكلمة الواحدة في كل حلقة ، والاستقبال الواحد ، لأن هذا هو المقصود .