تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ} (5)

5 ، 6 ، 7 - وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .

الفرج : سوءة الرجل والمرأة .

حافظون : متعففون عن الحرام .

وراء ذلك : غير ذلك .

العادون : المبالغون في العدوان ومجاوزة الحدود الشرعية .

ومن صفات المؤمنين العفة والاستقامة ، والبعد عن الزنا واللواطة ، وفي الحديث الشريف : ( من يضمن ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة )vi .

فالمؤمن يحفظ فرجه عن الحرام ، وكذلك المؤمنة ، والتسامي بالغرائز ، والبعد عن الشهوات ؛ أمر دعا إليه القرآن الكريم ، وحث عليه الرسول الأمين ، قال تعالى : وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ . . . ( النور : 33 ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( ما ظهرت الفاحشة في قوم يتعامل بها علانية : إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن فيمن قبلهم )vii .

وقال عليه الصلاة والسلام : ( يا معشر الناس ، اتقوا الزنا ، فإن فيه ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، أما التي في الدنيا : فيورث الفقر ، ويذهب البهاء ، وينقص العمر ، وأما التي في الآخرة : فسخط الله ، وسوء الحساب ، وعذاب النار ) .

وقد أحل الله الزواج وحث عليه ، قال تعالى : وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . ( النور : 32 ) .

وحرم الله الزنا ونهى عنه ، قال تعالى : وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً . ( الإسراء : 32 ) .

وقال تعالى : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . ( النور : 2 ) .

والآيات 5 – 7 من سورة ( المؤمنون ) ترسم طريقا للعفة والاستقامة ، والمتعة الحلال ؛ فالمؤمنون يحفظون فروجهم ، وهو كناية عن ستر الفرج وعدم كشف العورة ، وكناية عن البعد عن الزنا واللواطة وكل جماع محرم .

لكن يباح للمؤمن جماع زوجته ، كما يباح للمؤمنة جماع زوجها ، وهذا أمر معروف ، وفي الأثر : ( احفظ فرجك إلا عن زوجتك )viii .

وملك اليمين : هي الجارية التي تسبى في قتال بين المسلمين والمشركين ، وكان الفرس والروم يعاملون المسلمين بمثل ذلك ، وجاء الإسلام والرق نهر يجري ، فضيق الإسلام منابعه ، ووسع مصباته ، حتى يجف ذلك النهر ؛ فحرم الاسترقاق للأحرار ، وحرم خطف الأطفال ، وحرم جميع أنواع الاسترقاق ، إلا لأسرى الحرب ، معاملة بالمثل ، وحث الإسلام على عتق الرقاب ، وتحرير الأرقاء ، وجعل تحرير الأرقاء كفارة عن كثير من المخالفات .

قال تعالى : فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة . ( البلد : 11 – 13 ) .

وقال تعالى : لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ . . . ( المائدة : 89 ) .

وخلاصة معنى الآيات ما يأتي :

1 . من صفات المؤمنين الاستقامة والعفة .

2 . يباح للمسلم الزواج وجماع زوجته الحلال .

3 . يباح للرجل الاستمتاع بالجارية التي يملكها ، فإذا أنجبت منه صارت أم ولد ، ولا يباح بيعها ، وتعتق إذا مات مالكها .

4 . المجتمع الإسلامي مجتمع نظيف ، ملتزم بما أحل الله ، مبتعد عما حرم الله .

5 . من وقع في الزنا أو اللواط ؛ صار معتديا على أعراض الآخرين ، مستحقا للعقوبة في الدنيا والعذاب في الآخرة .

6 . الاستمتاع بالإماء خاص بالرجال ، فلا يباح للمرأة الاستمتاع بالبعد بالإجماع ، لأنه مملوك لها ، وليس مالكا فهي قوامة عليه ، بخلاف استمتاع السيد بأمته ، فإنه مالك لها وقوام عليها .

مختصر من تفسير القرطبي :

في الآيات 1 – 11 من سورة ( المؤمنون ) تسع مسائل .

المسألة السابعة :

قوله تعالى : فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . فسمى من نكح ما لا يحل عاديا ، وأوجب عليه الحد لعدوانه . . .

والإجماع منعقد على أن قوله تعالى : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . خص به الرجال دون النساء ؛ فقد روى معمر ، عن قتادة قال : تسررت امرأة غلامها ix فذكر ذلك لعمر فسألها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : كنت أراه يحل لي بملك يميني ، كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين ، فاستشار عمر في رجمها ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقالوا : تأولت كتاب الله على غير تأويله ، فلا رجم عليها ، فقال عمر : لا جرم ، والله لا أحلك لحر بعدها أبدا . عاقبها بذلك ، ودرأ الحد عنها ، وأمر العبد ألا يقربها .

وعن أبي بكر بن عبد الله أنه سمع أباه يقول : أنا حضرت عمر بن عبد العزيز ، حين جاءته امرأة بغلام لها وضئ ، فقالت : إني استسررته : فمنعني بنو عمى من ذلك ، وإنما أنا بمنزلة الرجل تكون له الوليدة فيطؤها ؛ فانه عني بني عمي ، فقال عمر : أتزوجت قبله ؟ قالت : نعم . فقال : أما والله لولا منزلتك من الجهالة لرجمتك بالحجارة ، ولكن اذهبوا به فبيعوه إلى من يخرج به إلى غير بلدها .

/خ11