تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ} (13)

13 - ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ .

ثم جعلناه : جعلنا نسله – نسل آدم – فحذف المضاف .

نطفة : منيا ؛ بأن خلقناه من النطفة وهي المني .

قرار مكين : مستقر حصين أو متمكن ، يعني : الرحم .

ثم جعلنا نسله نطفة ، من مني في أصلاب الذكور ، ثم قذفت إلى أرحام الإناث ، فصار في حرز مستقر متمكن حصين ، ابتداء من الحمل إلى الولادة .

قال تعالى : وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ . ( السجدة : 7 ، 8 ) .

أي : من ماء ضعيف .

كما قال تعالى : ألم نخلقكم من ماء مهين * فجعلناه في قرار مكين * إلى قدر معلوم * فقدرنا فنعم القادرون . ( المرسلات : 20- 23 ) .

القرار المكين

القرار المكين هو الرحم ، ومن يدرس تشريح الرحم ، وموضعه المكين الأمين في أسفل بطن المرأة ؛ ويرى ذلك الوعاء ، ذا الجدار العريض السميك ، ثم يرى هذه الأربطة العريضة والأربطة المستديرة ، وهذه الأجزاء من البريتون ، التي تشد إلى المثانة والمستقيم ، وكلها تحفظ توازن الرحم وتشد أزره ، وتحميه من الميل أو السقوط ، وتطول معه إذا ارتفع عند تقدم الحمل ، وتقصر إلى طولها الطبيعي تدريجيا بعد الولادة ، وكذلك من يدرس تكوين الحوض وعظامه ؛ يعرف جليا صدق قوله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ .

وكذلك في الرحم سائل أمينوس ، داخل جيب المياه يعوم فيه الجنين بحرية ، ويدفع عن الجنين ما قد تلاقيه الأم من صدمات وهزات عنيفة ، قد تصل إليه فتؤذيه ، إن لم يهدئ هذا السائل من قوتها ويضعف من شدتها ، ثم هو يحتفظ للجنين بحرارة مناسبة ، حيث إنه موصل ردئ للحرارة ، وكذلك يقوم بعملية تحديد عنق الرحم ، وتوسيعه وقت الولادة ( القرن ) كما يقوم بعملية التطهير أمام الجنين بما فيه من خواص مطهرة ، فكل ذلك يزيد الرحم مكنة وأمنا )xiv .

وهكذا يظهر لنا مع تقدم العلم إعجاز هذا الكتاب ، وصدقه ، خصوصا أنه نزل على نبي أمي ، في عصر لم تكتشف فيه هذه المعارف .

قال تعالى : سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ . . . ( فصلت : 53 ) .