سورة ( المؤمنون ) مكية ، وآياتها 118 آية ، نزلت بعد الأنبياء ، وسميت سورة ( المؤمنون ) لافتتاحها بفلاح المؤمنين .
تبدأ السورة بذكر صفات المؤمنين ثم يستطرد السياق فيها إلى دلائل الإيمان في الأنفس والآفاق ، ثم إلى حقيقة الإيمان كما عرضها رسل الله – صلوات الله عليهم – من لدن نوح – عليه السلام – إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الرسل والنبيين ، وشبهات المكذبين حول هذه الحقيقة واعتراضاتهم عليها ؛ ووقوفهم في وجهها ؛ حتى يستنصر الرسل ربهم ، فيهلك المكذبين وينجي المؤمنين . . . ثم يستطرد إلى اختلاف الناس بعد الرسل في تلك الحقيقة الواحدة التي لا تتعدد . . . ومن هنا يتحدث عن موقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويستنكر هذا الموقف الذي ليس له مبرر وتنتهي السورة بمشهد من مشاهد القيامة يلقون فيه عاقبة التكذيب ، ويؤنبون على ذلك الموقف المريب ، وتختم السورة بتعقيب يقرر التوحيد المطلق والتوجه إلى الله بطلب الرحمة والغفران . . . فهي سورة ( المؤمنون ) أو هي سورة الإيمان بكل قضاياه ودلائله وصفاته وهو موضوع السورة ومحورها الأصيل .
يمضي سياق سورة ( المؤمنون ) في أربعة أقسام رئيسية تتناول تاريخ الدعوة وحاضرها وتسوق الأدلة الحسية والنفسية على الإيمان بالله .
يبدأ القسم الأول بتقرير الفلاح للمؤمنين :
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ .
ويبين صفات المؤمنين هؤلاء الذين كتب لهم الفلاح ، وثني بدلائل الإيمان في الأنفس والآفاق فيعرض أطوار الحياة الإنسانية منذ نشأتها الأولى إلى نهايتها في الحياة الدنيا ، متوسعا في عرض أطوار الجنين ، مجملا في عرض المراحل الأخرى . . . ثم يتابع خط الحياة البشرية إلى البعث يوم القيامة ، وبعد ذلك ينتقل من الحياة الإنسانية إلى الدلائل الكونية : في إنزال الماء ، وفي إنبات الزرع والثمار ، ثم إلى الأنعام المسخرة للإنسان ، والفلك التي يحمل عليها ، وعلى الحيوان .
ويستغرق هذا القسم من أول السورة إلى الآية 22 .
يشير القسم الثاني إلى قصة نوح – عليه السلام – وهلاك الكافرين ، ثم يتبع ذلك ببيان سنة الله في إرسال الرسل لهداية الناس ، وإبلاغهم كلمة الحق والإيمان ، ودعوتهم إلى الله ، فيقول نوح لقومه : يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ . . . ( المؤمنون : 23 ) .
ويقول هذه الحقيقة كل نبي ورسول : يقولها موسى ، ويقولها عيسى ، ويقولها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ويكون اعتراض المكذبين دائما : مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ . . . ( المؤمنون : 33 ) .
ويقدم الكفار عددا من الحجج والأدلة على تكذيبهم ، فيلجأ الرسل إلى ربهم يطلبون نصره ؛ فيستجيب سبحانه وينجي المؤمنين ويهلك الكافرين .
قال تعالى : ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ . ( المؤمنون : 44 ) .
وينتهي هذا القسم ببيان وحدة الرسالات ووحدة الأمم المؤمنة ، فالرب واحد ، والإيمان واحد بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر .
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ . ( المؤمنون : 51 ، 52 ) .
ويستغرق هذا القسم الآيات من 23 – 52 .
يتحدث القسم الثالث عن تفرق الناس بعد وصول الرسل إليهم ، وتنازعهم حول تلك الحقيقة الواحدة التي جاء بها الرسل : فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ . ( المؤمنون : 53 ) .
ثم يتحدث عن غفلتهم عن ابتلاء الله لهم بالنعمة ، واغترارهم بما هم فيه من متاع ، بينما المؤمنون مشفقون من خشية ربهم يعبدونه ولا يشركون به ، ويخشون غضبه ويرجون رحمته ، وهنا يرسم مشهدا لأولئك الغافلين المغرورين يوم يأخذهم العذاب فإذا بهم يجأرون ، فيأخذهم التوبيخ والتأنيب :
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ . ( المؤمنون : 66 ، 67 )
ويستنكر السياق موقفهم العجيب من رسولهم الأمين ، وهم يعرفونه ولا ينكرونه ، وقد جاءهم بالحق لا يسألهم عليه أجرا ، فماذا ينكرون منه ومن الحق الذي جاءهم به ؟ وهم يسلمون بملكية الله لمن في السماوات والأرض ، وربوبيته للسماوات والأرض ، وسيطرته على كل شيء في السماوات والأرض ، وبعد هذا التسليم هم ينكرون البعث ويزعمون لله ولدا سبحانه ! ويشركون به آلهة أخرى : عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ . ( المؤمنون : 92 ) .
ويستغرق هذا القسم الآيات من 53 – 92 .
في القسم الرابع والأخير حث للرسول أن يدعهم وشركهم وزعمهم ، وأن يدفع السيئة بالتي هي أحسن وأن يستعيذ بالله من الشياطين فلا يغضب ولا يضيق صدره بما يقولون . . ثم يرسم السياق مشهدا من مشاهد القيامة يصور ما ينتظرهم هناك من عذاب ومهانة وتأنيب . ويختم السورة بتنزيه الله سبحانه : فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ . ( المؤمنون : 116 ) .
وينفي الفلاح عن الكافرين ، ليناسب ابتداءها بإثباته للمؤمنين ، وفي آخر آية أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتوجه إلى الله بطلب المغفرة والرحمة : وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . ( المؤمنون : 118 ) .
ويستغرق هذا القسم الآيات من 93 – 118 .
جو السورة كلها جو البيان والتقرير ، وجو الجدل الهادئ ، والمنطق الوجداني واللمسات الموحية للفكر والضمير ، والروح السارية في السورة هي روح الإيمان ففي مطلعها مشهد الخشوع في الصلاة ، وفي وسطها مدح للإيمان والإحسان : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . ( المؤمنون : 60 ) .
وفي اللمسات الوجدانية تجد قوله سبحانه : وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ . ( لمؤمنون : 78 ) .
{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1 ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2 ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( 3 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( 4 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 5 ) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( 6 ) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 7 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8 ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( 9 ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( 10 ) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 11 ) }
1 ، 2 - قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .
الفلاح : الظفر بالمراد ، والإفلاح . الدخول في الفلاح ، كالإبشار الدخول في البشارة .
هذه سورة ( المؤمنون ) ، وقد بدأت السورة بذكر صفات المؤمنين ؛ وهي :
4 . البعد عن الزنا واللواط والانحراف .
وجزاؤهم هو الفردوس الأعلى في الجنة ، وهي منزل سامية تستحق كل تضحية ، فلنتأمل الصفات التي استحقوا بها هذه المنزلة .
خشوع الصلاة روحها وحقيقتها ، ويقصد به حضور القلب ، والتأمل في تلاوة القرآن ، وفي أداء الأركان ، واليقظة والتفهم لما يؤديه المسلم ، وهو واقف أمام الله تعالى .
والخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرغ قلبه لها ، واشتغل بها عما عداها ، وآثرها على غيرها ؛ وحينئذ تكون راحة له ، وقرة عين .
روى الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ) ثم قرأ : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . حتى ختم العشرii .
وقال النسائي في تفسيره ، عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة أم المؤمنين : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقرأت : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . – حتى انتهت إلى وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . قالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمiii .
إن الفلاح والنجاح والسعادة الحقة في التزام المؤمن بأمر الله ، وتركيز ذهنه في الصلاة ، ومراقبة مولاه ؛ وهو قائم بين يديه ؛ فيتذكر عظمة الله وفضله ، ونعمه عند قراءة الفاتحة ، ويؤدي الركوع في خضوع ، وكذلك يشكر الله ويحمده عند الرفع من الركوع ، ويقيم صلبه في الصلاة حتى يعود كل فقار إلى موضعه ، ثم يسجد على سبعة أعظم ، وهي : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين ، ويكون سعيدا بمناجاة الله ومناداته وعبادته ، وإذا سها أو انشغل في الصلاة ، عاد واسترد الخشوع والاستقرار ؛ ومما يساعد على الخشوع ، نظر المصلي إلى موضع سجوده قائما ، وإلى قدميه راكعا ، وإلى حجره جالسا ، وإلى أرنبة أنفه ساجدا ، ويحاول استحضار عظمة الله ومناجاته .
أخرج الإمام أحمد ، والنسائي ، عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( حبب إلي الطيب ، والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة )iv .
وقال أبو الدرداء : الخشوع هو : إخلاص المقال ، وإعظام المقام ، واليقين التام ، وجمع الاهتمام .