تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (35)

31

المفردات :

من المؤمنين : ممن آمن بلوط .

غير بيت : غير أهل بيت ، والمراد بهم لوط وابنتاه ، وقيل : كانوا ثلاثة عشر .

التفسير :

35-36 : { فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين*فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } .

ذهبت الملائكة إلى قوم لوط في صورة شبّان في ريعان الشباب ، ولما علم لوط بأن عنده ضيوفا من الشباب المعتدل قامة وصحة ، وكانوا يفعلون الفعلة الشنعاء وهي اشتهاء الرجال دون النساء ، وقضاء الوطر في جماع الرجال ، لقد انتكسوا بالفطرة وخرجوا على سنن الله ، فقد خلق الله الزوجين الذكر والأنثى ، وزوَّد صدر الرجل وصدر المرأة بما يكمل المتعة بين سالب وموجب ، وذكر وأنثى ، وتكامل وتعاطف ومودة ورحمة ، وذرية من الذكور والإناث ، واستمرار إعمار الأرض وتتابع الأجيال .

لكن هؤلاء انحرفوا بالفطرة كما قال لهم لوط : { إنّكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء . . . }( الأعراف : 81 ) .

ورغبوا في جماع ضيوف لوط ، فتمنى لوط لو أن لديه قوة من الرجال ، ليمنعهم بالقوة عن ضيوفه ، أو يجد مجموعة من الناس يستنجد بهم لينقذوه ، وقد بذل جهده في نصحهم وردعهم ، حيث قال لهم : { هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ * قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ . } ( هود : 78-83 ) .

وقد اكتفى القرآن بعرض هذا النقاش بين لوط وقومه ، وبين لوط والملائكة ، في مواضع أخرى من القرآن الكريم .

وقد أفادت الآيتان { 35-36 ) من سورة الذاريات أن عناية الله بالمؤمنين وإرادته في سلامتهم ، قضت بأن يخرجوا من بيوتهم في ظلام الليل ، ولا يلتفتوا خلفهم ، غير زوجة لوط التي كانت تنضم إلى قومها وتعاونهم في أعمالهم الشاذَّة ، وتفشي لهم أسرار لوط ، فقضى الله أن يصيبها ما يصيب قومها .

{ فأخرجنا من كان فيه من المؤمنين*فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } .

أي : فأخرجنا من كان في قرى قوم لوط ، ممن آمن بلوط عليه السلام ، فما وجدنا في هذه القرى غير أهل بيت المسلمين ، والمراد بهم لوط وابنتاه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن سعيد بن جبير أنه قال : كانوا ثلاثة عشر .

أي : لم نجد أحدا من المسلمين غير ما يوازي تعداد أهل بيت واحد .

في أعقاب التفسير

ذهب المعتزلة وبعض أهل السنة إلى عدم التفريق بين الإسلام والإيمان ، لأن القرآن في الآيتين السابقتين أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين .

فالمعنى :

أخرجنا من كان في قرى قوم لوط من المؤمنين لنحفظهم من الهلاك ، فلم نجد في هذه القرى إلا أهل بيت واحد من المسلمين ، فيكون الإيمان مرادفا للإسلام ، وبهذا قال الإمام البخاري من أهل السنة .

والمتأمّل في القرآن الكريم يجد أن مدلول اللفظ الواحد يتغير بحسب السياق ، وقد ألّف مقاتل بن سليمان البلخي كتابا سماه ( الأشباه والنظائر في القرآن الكريم ) ، وقد بدأ الكتاب بمادة الهدى في القرآن الكريم ، فقال : الهدى في القرآن الكريم يأتي على ستة عشر وجها ، واستمر في عرض الألفاظ التي جاءت في القرآن الكريم على أكثر من وجه ومعنى .

فكلمة العين تطلق على العين التي تبصر ، وتطلق على عين الماء ، وتطلق على الجاسوس ، . . . وهكذا .

وعلماء الكلام يذكرون أن الإسلام هو الانقياد الظاهري والامتثال لأوامر الله ، أما الإيمان فهو التصديق الباطي ، ويستشهدون بقوله تعالى :

{ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ . . . }

( الحجرات : 14 )

وبما رواه البخاري في صحيحه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإسلام ، فقال : " أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلا " .

وسئل عن الإيمان فقال : " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقضاء والقدر ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه " 8 .

ونلاحظ أن الإسلام والإيمان قد يجتمعان وقد يفترقان ، فأكثر الناس يظهرون الإسلام ويبطنون الإيمان ، فهؤلاء مسلمون لإسلامهم واستسلامهم لأمر الله ، وانقيادهم لحكمه ، ومعظمهم يبطن الإيمان والتصديق واليقين بالله تعالى وباليوم الآخر ، ومن هذا الصنف من آمن بلوط حيث كانوا مؤمنين ، وأيضا كانون مسلمين ، وقد يفترق الإيمان والإسلام ، مثل إسلام المنافقين ، فهو إسلام ظاهري لم يطاوعه ولم يتابعه إيمان الباطن .

قول تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } . ( المنافقون : 1 ) .

وقريب من ذلك بعض العصاة من الأعراب ، الذين أعلنوا إسلامهم ولم تتجاوب قلوبهم بالالتزام الكامل ، والطاعة والتضحية والفداء .

فقال بعض العلماء : هم منافقون ، وقال آخرون : هم مسلمون عصاة لم يصلوا للدرجة المطلوبة الرَّاقية من المؤمن الحق ، ويأمل القرآن توبتهم وتصحيح إيمانهم .

قال تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ . . . }

( الحجرات : 14 )