جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَتَنَٰزَعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَىٰ} (62)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَتَنَازَعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَىَ * قَالُوَاْ إِنْ هََذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىَ } .

يقول تعالى ذكره : فتنازع السحرة أمرهم بينهم . وكان تنازعهم أمرهم بينهم فيما ذكر أن قال بعضهم لبعض ، ما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وأسَرّوا النّجْوَى " قال السحرة بينهم : إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه ، وإن كان من السماء فله أمر .

وقال آخرون بل هو أن بعضهم قال لبعض : ما هذا القول بقول ساحر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه ، قال : جمع كلّ ساحر حباله وعصيه ، وخرج موسى معه أخوه يتكىء على عصاه ، حتى أتى المجمع ، وفرعون في مجلسه ، معه أشراف أهل مملكته ، قد استكَفّ له الناس ، فقال موسى للسحرة حين جاءهم : " وَيْلَكُمْ لا تَفْتَروا عَلى اللّهِ كَذِبا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرَى " فترادّ السحرة بينهم ، وقال بعضهم لبعض : ما هذا بقول ساحر .

وقوله : " وأسَرّوا النّجْوَى " يقول تعالى ذكره : وأسرّوا السحرة المناجاة بينهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَتَنَٰزَعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَىٰ} (62)

أي تفرع على موعظة موسى تنازُعهم الأمرَ بينهم ، وهذا يؤذن بأن منهم من تركتْ فيه الموعظة بعضَ الأثر ، ومنهم من خشي الانخذال ، فلذلك دعا بعضهم بعضاً للتشاور فيما ذا يصنعون .

والتنازل : تفاعل من النزع ، وهو الجَذْب من البئر ، وجَذْب الثوب من الجسد ، وهو مستعمل تمثيلاً في اختلاف الرأي ومحاولة كل صاحب رأي أن يقنع المخالف له بأن رأيه هو الصواب ، فالتنازع : التخالف .

والنّجوى : الحديث السريّ ، أي اختَلَوْا وتحادثوا سِرّاً ليَصدروا عن رأي لا يطّلع عليه غيرهم ، فجَعْلُ النجوى معمولاً ل { أسَرّوا } يفيد المبالغة في الكتمان ، كأنه قيل : أسرّوا سرّهم ، كما يقال : شعر شاعر .

وزادهُ مبالغة قوله { بَيْنَهُم } المقتضي أنّ النجوى بين طائفة خاصة لا يشترك معهم فيها غيرهم .