التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ} (20)

ثم وجهت السورة الكريمة نداء ثانياً إلى المؤمنين ، أمرتهم بطاعة الله ورسوله ، ونهتهم عن التشبه بالكافرين وأمثالهم من المنافقين .

فقال - تعالى - : { ياأيها الذين . . . وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } .

والمعنى : يأيها الذين آمنوا حق الإِيمان ، أطيعوا الله ورسوله في كل أحوالكم ، { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } أي ولا تعرضوا عنه ، فإن في إعراضكم عنه خسارة عظيمة لكم في دنياكم وآخرتكم .

قال الآلوسى : " وأعيد الضمير إليه - صلى الله عليه وسلم - ، لأن المقصود طاعته ، وذكر طاعة الله - تعالى - توطئة لطاعته ، وهى مستلزمة لطاعة الله - تعالى - ، لأنه مبلغ عنه ، فكان الراجع إليه - صلى الله عليه وسلم - كالراجع إلى الله - تعالى - " .

وقوله : { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } جملة حالية مسوقة لتأكيد وجوب الانتهاء عن التولى مطلقا ، لا لتقييد النهى عنه بحال السماع .

أى أطيعوا الله ورسوله - أيها المؤمنون - ولا تتولوا عنه والحال أنكم تسمعون القرآن الناطق بوجوب طاعته ، والمواعظ الزاجرة عن مخالفته

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ} (20)

وقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله } الآية ، الخطاب للمؤمنين المصدقين ، جدد عليهم الأمر بطاعة الله والرسول ونهوا عن التولي عنه ، وهذا قول الجمهور ، ويكون هذا متناصراً مع قول من يقول : إن الخطاب بقوله { وإن تنتهوا } هو للمؤمنين ، فيجيء الكلام من نمط واحد في معناه ، وأما على قول من يقول إن المخاطبة ب { إن تنتهوا } هي للكفار فيرى أن هذه الآية إنما نزلت بسبب اختلافهم في النفل ومجادلتهم في الحق وكراهيتهم خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاخرهم بقتل الكفار والنكاية فيهم ، وقالت فرقة : الخطاب بهذه الآية إنما هو للمنافقين والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم فقط . قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان محتملاً على بعد فهو ضعيف جداً لأجل أن الله وصف من خاطب في هذه الآية بالإيمان ، والإيمان التصديق ، والمنافقون لا يتصفون من التصديق بشيء ، وقيل إن بالفعل المستقبل فحذفت الواحدة ، والمحذوفة هي تاء تفعل ، والباقية هي تاء العلامة ، لأن الحاجة إليها هنا أمس ليبقى الفعل مستقبلاً ، وقوله { وأنتم تسمعون } يريد دعاءه لكم بالقرآن والمواعظ والآيات ،

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ تَسۡمَعُونَ} (20)

لما أراهم الله آيات لطفه وعنايته بهم ، ورأوا فوائِد امتثال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى بدر ، وقد كانوا كارهين الخروج ، أعقب ذلك بأنْ أمَرَهم بطاعة الله ورسوله شكراً على نعمة النصر ، واعتباراً بأن ما يأمرهم به خيرٌ عواقبه ، وحذرهم من مخالفة أمر الله ورسول صلى الله عليه وسلم .

وفي هذا رجوع إلى الأمر بالطاعة الذي افتتحت به السورة في قوله : { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } [ الأنفال : 1 ] رجوع الخطيب إلى مقدمة كلامه ودليلهِ ليأخذها بعد الاستدلال في صورة نتيجة أسفر عنها احتجاجُه ، لأن مطلوب القياس هو عين النتيجة ، فإنه لما ابتدأ فأمرهم بطاعة الله ورسوله بقوله : { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } [ الأنفال : 1 ] في سياق ترجيح ما أمرهم به الرسول عليه الصلاة والسلام على ما تهواه أنفسهم ، وضرب لهم مثلاً لذلك بحادثة كراهتهم الخروج إلى بدر في بدء الأمر ومجادلتهم للرغبة في عدمه ، ثم حادثة اختيارهم لقاء العير دون لقاء النفير خشية الهزيمة ، وما نجم عن طاعتهم الرسول عليه الصلاة والسلام ومخالفتهم هواهم ذلك من النصر العظيم والغُنم الوفير لهم مع نزارة الرزء ، ومن التأييد المبين للرسول صلى الله عليه وسلم والتأسيسسِ لإقرار دينه { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ليحق الحق ويبطل الباطل } [ الأنفال : 7 ، 8 ] وكيف أمدهم الله بالنصر العجيب لمّا أطاعوه وانخلعوا عن هواهم ، وكيف هزَم المشركين ؛ لأنهم شاقوا الله ورسوله ، والمشاقة ضد الطاعة تعريضاً للمسلمين بوجوب التبرؤ مما فيه شائبة عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم ثم أمرهم بأمر شديد على النفوس ألا وهو { إِذَا لقيتم الذين كفروا زحْفاً فلا تولوهم الأدبار } [ الأنفال : 15 ] وأظهر لهم ما كان من عجيب النصر لما ثبتوا كما أمرهم الله { فلَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم } [ الأنفال : 17 ] ، وضمن لهم النصر إن هم أطاعوا الله ورسوله وطلبوا من الله النصر ، أعقب ذلك بإعادة أمرهم بأن يطيعوا الله ورسوله ولا يتولوا عنه ، فذلكة للمقصود من الموعظة الواقعة بطولها عقب قوله : { وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } [ الأنفال : 1 ] وذلك كله يقتضي فصل الجملة عما قبلها ، ولذلك افتتحت ب { يا أيها الذين آمنوا } .

وافتتاح الخطاب بالنداء للاهتمام بما سيُلقى إلى المخاطبين قصداً لإحضار الذهن لوعي ما سيقال لهم ، فنزّل الحاضر منزلة البعيد ، فطلب حضوره بحرف النداء الموضوع لطلب الإقبال .

والتعريف بالموصولية في قوله : { يا أيها الذين آمنوا } للتنبيه على أن الموصوفين بهذه الصلة من شأنهم أن يتقبلوا ما سيؤمرون به ، وأنه كما كان الشرك مسبباً لمشاقة لله ورسوله في قوله : { ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله } [ الأنفال : 13 ] ، فخليق بالإيمان أن يكون باعثاً على طاعة الله ورسوله ، فقوله هنا : { يأيها الذين آمنوا } يساوي قوله في الآية المردود إليها : { إن كنتم مؤمنين } [ الأنفال : 1 ] ، مع الإشارة هنا إلى تحقق وصف الإيمان فيهم وأن إفراغه في صورة الشرط في الآية السابقة ما قصد منه إلاّ شحذ العزائم ، وبذلك انتظم هذا الأسلوب البديع في المحاورة من أول السورة إلى هنا انتظاماً بديعاً معجزاً .

والطاعة امتثال الأمر والنهي . والتولي الانصراف ، وتقدم آنفاً ، وهو مستعار هنا للمخالفة والعصيان .

وإفرادُ الضمير المجرور ب ( عن ) لأنه راجع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إذ هذا المناسب للتولي بحسب الحقيقة . فإفراد الضمير هنا يشبه ترشيح الاستعارة ، وقد علم أن النهي عن التولي عن الرسول نهي عن الإعراض عن أمر الله لقوله : { من يطع الرسول فقد أطاع الله } [ الأعراف : 80 ] وأصل { تَولوا } تَتَولوا بتاءين حذفت إحداهما تخفيفاً .

وجملة : { وأنتم تسمعون } في موضع الحال من ضمير { تولوا } والمقصود من هذه الحال تشويه التولي المنهي عنه ، فإن العصيان مع توفر أسباب الطاعة أشد منه في حين انخرَام بعضها . فالمراد بالسمع هنا حقيقته أي في حال لا يعوزكم ترك التولي بمعنى الإعراض وذلك لأن فائدة السمع العمل بالمسموع ، فمن سمع الحق ولم يعمل به فهو الذي لا يسمع سواء في عدم الانتفاع بذلك المسموع ، ولما كان الأمر بالطاعة كلام يطاع ظهر موقع { وأنتم تسمعون } فلما كان الكلام الصادر من الله ورسوله من شأنه أن يقبله أهل العقول كان مجرد سماعه مقتضياً عدم التولي عنه ، ضمن تولى عنه بعد أن سمعه فأمر عجب ثم زاد في تشويه التولي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بالتحذير من التشبه بفئة ذميمة يقولون للرسول عليه الصلاة والسلام : سمعنا ، وهم لا يصدقونه ولا يعملون بما يأمرهم وينهاهم .