{ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ } وهى قتلك لرجل من شيعتى { وَأَنتَ مِنَ الكافرين } .
أى : وأنت من الجاحدين بعد ذلك لنعمتى التى أنعمتها عليك ، فى حال طفولتك ، وفى حال صباك ، وفى حال شبابك .
لأنك جئتنى أنت وأخوك بما يخالف ديننا ، وطلبتما منا أن نرسل معكما بنى إسرائيل . فهل هذا جزاء إحسانى إليك ؟
وهكذا نرى فرعون يوجه إلى موسى - عليه السلام - تلك الأسئلة على سبيل الإنكار عليه لما جاء به ، متوهما أنه قد قطع عليه طريق الإجابة .
ولكن موسى - عليه السلام - وقد استجاب الله - تعالى - دعاءه ، وأزال عقدة لسانه ، رد عليه ردا حكيما ، فقال - كما حكى القرآن عنه : { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضالين } .
{ وفعلت فعلتك التي فعلت } يعني قتل القبطي ، وبخه به معظما إياه بعدما عدد عليه نعمته ، وقرئ فعلتك بالكسر لأنها كانت قتلة بالوكز ، { وأنت من الكافرين } بنعمتي حتى عمدت إلى قتل خواصي ، أو ممن تكفرهم الآن فإنه عليه الصلاة والسلام كان يعايشهم بالتقية فهو حال من إحدى التاءين ، ويجوز أن يكون حكما مبتدأ عليه بأنه من الكافرين بآلهيته أو بنعمته لما عاد عليه بالمخالفة ، أو من الذين كانوا يكفرون في دينهم .
الفَعْلة : المرة الواحدة من الفِعل ، وأراد بها الحاصل بالمصدر كما اقتضته إضافتها إلى ضمير المخاطب ، وأراد بالفعلة قتلَه القبطي ، قيل هو خَبَّاز فرعون . وعبر عنها بالموصول لعلم موسى بها ، وفي ذلك تهويل للفعلة يكنى به عن تذكيره بما يوجب توبيخه .
وفي العدول عن ذكر فَعلة معيَّنة إلى ذكرها مبهمة مضافةً إلى ضميره ثم وصفها بما لا يزيد على معنى الموصوف تهويلٌ مرادٌ به التفظيع وأنها مشتهرة معلومة مع تحقيق إلصاق تبعتها به حتى لا يجد تنصلاً منها .
وجملة : { وأنت من الكافرين } حال من ضمير { فعلت } . والمراد به كفر نعمة فرعون من حيث اعتدى على أحد خاصّته وموالي آله ، وكان ذلك انتصاراً لرجل من بني إسرائيل الذين يعُدُّونهم عبيدَ فرعون وعبيدَ قومه ، فجَعل فرعونُ انتصارَ موسى لرجل من عشيرته كفراناً لنعمة فرعون لأنه يرى واجب موسى أن يعُدّ نفسه من قوم فرعون فلا ينتصر لإسرائيلي ، وفي هذا إعمال أحكام التبني وإهمال أحكام النسب وهو قلبُ حقائق وفسادُ وضع . قال تعالى : { وما جَعل أدعياءَكم أبناءَكم ذلكم قولُكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } [ الأحزاب : 4 ] . وليس المراد الكفر بديانة فرعون لأن موسى لم يكن يوم قتل القبطي متظاهراً بأنه على خلاف دينهم وإن كان في باطنه كذلك لأن الأنبياء معصومون من الكفر قبل النبوءة وبعدها .
ويجوز أن تكون جملة : { وأنت من الكافرين } عطفاً على الجُمل التي قبلها التي هي توبيخ ولوم ، فوبخه على تقدم رعيه تربيتَهم إياه فيما مضى ، ثم وبّخه على كونه كافراً بدينهم في الحال ، لأن قوله : { من الكافرين } حقيقة في الحال إذ هو اسم فاعل واسم الفاعل حقيقة في الحال .
ويجوز أن يكونَ المعنى : وأنت حينئذ من الكافرين بديننا ، استناداً منه إلى ما بدا من قرائنَ دلّته على استخفاف موسى بدينهم فيما مضى لأن دينهم يقتضي الإخلاص لفرعون وإهانةَ من يهينهم فرعون . ولعل هذا هو السبب في عزم فرعون على أن يقتصّ من موسى للقبطي لأن الاعتداء عليه كان مصحوباً باستخفاف بفرعون وقومه .
ويفيد الكلام بحذافره تعجباً من انتصاب موسى منصب المرشد مع ما اقترفه من النقائص في نظر فرعون المنافية لدعوى كونه رسولاً من الربّ .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وفعلت فعلتك التي فعلت" يعني: قتله النفس التي قتل من القبط...
وقوله: "وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ" اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك؛
فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنت من الكافرين بالله على ديننا...
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت من الكافرين نعمتنا عليك... قال ابن زيد، في قوله "وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ" قال: ربيناك فينا وليدا، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا، وكفرت نعمتنا...
وهذا القول الذي قاله ابن زيد أشبه بتأويل الآية، لأن فرعون لم يكن مقرّا لله بالربوبية، وإنما كان يزعم أنه هو الربّ، فغير جائز أن يقول لموسى إن كان موسى كان عنده على دينه يوم قتل القتيل على ما قاله السديّ: فعلت الفعلة وأنت من الكافرين، الإيمان عنده هو دينه الذي كان عليه موسى عنده، إلا أن يقول قائل: إنما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى، على قولك اليوم، فيكون ذلك وجها يتوجه. فتأويل الكلام إذن: وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا عليك، وإحساننا إليك في قتلك إياه. وقد قيل: معنى ذلك: وأنت الآن من الكافرين لنعمتي عليك وتربيتي إياك.
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
{وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} قصد فرعون بهذا الكلام توبيخ موسى عليه السلام.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكّره منة تحمله على الحياء منه، ذكّره ذنباً هو أهل لأن يخاف من عاقبته فقال مهولاً له بالكناية عنه: {وفعلت فعلتك} أي من قتل القبطي، ثم أكد نسبته إلى ذلك مشيراً إلى أنه عامله بالحلم تخجيلاً له فقال: {التي فعلت وأنت} أي والحال أنك {من الكافرين} أي لنعمتي وحق تربيتي بقتل من ينسب إليّ، أو عده منهم لسكوته عنهم إذا ذاك، لأنه لم يكن قبل الرسالة مأموراً فيهم بشيء، فكان مجاملاً لهم، فكأنه قال: وأنت منا. فما لك الآن تنكر علينا وتنسبنا إلى الكفر؟
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم: (وفعلت فعلتك التي فعلت).. فعلتك البشعة الشنيعة التي لا يليق الحديث عنها بالألفاظ المفتوحة! فعلتها (وأنت من الكافرين) برب العالمين الذي تقول به اليوم، فإنك لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين! وهكذا جمع فرعون كل ما حسبه ردا قاتلا لا يملك موسى -عليه السلام- معه جوابا، ولا يستطيع مقاومة. وبخاصة حكاية القتل، وما يمكن أن يعقبها من قصاص، يتهدده به من وراء الكلمات!.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{وأنت من الكافرين} عطفاً على الجُمل التي قبلها التي هي توبيخ ولوم، فوبخه على تقدم رعيه تربيتَهم إياه فيما مضى، ثم وبّخه على كونه كافراً بدينهم في الحال، لأن قوله: {من الكافرين} حقيقة في الحال إذ هو اسم فاعل واسم الفاعل حقيقة في الحال. ويجوز أن يكونَ المعنى: وأنت حينئذ من الكافرين بديننا، استناداً منه إلى ما بدا من قرائنَ دلّته على استخفاف موسى بدينهم فيما مضى لأن دينهم يقتضي الإخلاص لفرعون وإهانةَ من يهينهم فرعون. ولعل هذا هو السبب في عزم فرعون على أن يقتصّ من موسى للقبطي لأن الاعتداء عليه كان مصحوباً باستخفاف بفرعون وقومه. ويفيد الكلام بحذافره تعجباً من انتصاب موسى منصب المرشد مع ما اقترفه من النقائص في نظر فرعون المنافية لدعوى كونه رسولاً من الربّ.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} في قتلك للإنسان القبطيّ الذي يتميز بأصله وطبقته عليك ما يؤكد وجود طبيعة الجريمة في تفكيرك وأخلاقك، بالإضافة إلى نزعة الفساد والإفساد الاجتماعي في سلوكك العملي، فخلقت لنا المشاكل الأمنية من دون مبرّر، ولم ترع حرمة التربية والرعاية التي منحناك إياها، {وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} بالنعمة التي أغدقناها عليك، فكيف يتناسب ذلك مع ما تدّعيه من الرسالة التي تستهدف الصلاح والإصلاح والخير والفلاح للناس كافة؟ وكيف يكون رسولاً من يكفر بنعمة سيّده الذي ربّاه وأنعم عليه بعد أن أنقذه من الهلاك؟
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.