التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

{ فَيَوْمَئِذٍ } أى : ففى هذا اليوم لا ينفعه الندم ولا التحسر ، و { لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ والوثاق : الرباط الذى يقيد به الأسير .

أى : ففى هذا اليوم لا يعذِّب كعذاب الله أحد ، ولا يوثِق كوثاقه أحد ، فالضمير فى قوله : { عَذَابَهُ } و { ثَاقَهُ } يعود إلى الله - ولفظ " أحد " فاعل .

وقرأ الكسائى : { لاَّ يُعَذِّبُ } و { لاَ يُوثِقُ } - بفتح الذال المشددة ، وفتح الثاء - على البناء للمفعول ، والضمير فى قوله { عذابه } و { وثاقه } يعود للكافر .

أى : فيومئذ لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإِنسان الكافر المتحسر ، ولا يوثق أحد مثل وثاقه ، ولفظ " أحد " هنا نائب فاعل .

وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { قَالَ الله إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } - أى : المائدة - { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فإني أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ العالمين }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد الهاء لله أي لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ} (26)

والوثاق : اسم مصدر أوثق .

وقرأ الجمهور { يعذِّب } بكسر الذال { ويوثق } بكسر الثاء على أن { أحدٌ } في الموضعين فاعل { يعذِب ، ويوثِق } . وأن عذابه من إضافة المصدر إلى مفعوله فضمير { عذابه } عائد إلى الإنسان في قوله : { يتذكر الإنسان } وهو مفعول مطلق مبيّن للنوع على معنى التشبيه البليغ ، أي عذاباً مثل عذابه ، وانتفاء المماثلة في الشدة ، أي يعذب عذاباً هو أشد عذاب يعذبه العصاة ، أي عذاباً لا نظير له في أصناف عذاب المعذّبين على معنى قوله تعالى : { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } [ المائدة : 115 ] والمراد في شدته .

وهذا بالنسبة لبني الإنسان ، وأما عذاب الشياطين فهو أشدُّ لأنهم أشد كفراً و { أحد } يستعمل في النفي لاستغراق جنس الإنسان فأحَدٌ في سياق النفي يعمّ كل أحد قال تعالى : { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ للَّه } [ الانفطار : 19 ] فانحصر الأحد المعذِّب ( بكسر الذال ) في فرد وهو الله تعالى .

وقرأه الكسائي ويعقوب بفتح ذال { يعذَّب } وفتح ثاء { يوثق } مبنيين للنائب . وعن أبي قلابة قال : « حدثني من أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ { يعذَّب } و { يوثَق } بفتح الذال وفتح الثاء » . قال الطبري : وإسناده واهٍ وأقول أغنى عن تصحيح إسناده تواترُ القراءة به في بعض الروايات العشر وكلها متواتر .

والمعنى : لا يعذَّب أحدٌ مثلَ عذاب مَا يعذَّب به ذلك الإنسان المتحسر يومئذ ، ولا يوثَق أحدٌ مثلَ وَثاقه ، ف { أحد } هنا بمنزلة « أحداً » في قوله تعالى : { فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين } [ المائدة : 115 ] .

والوَثاق بفتح الواو اسم مصدر أوثق وهو الربْط ويجعل للأسير والمقُود إلى القتل . فيجعل لأهل النار وثاق يساقون به إلى النار قال تعالى : { إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم } [ غافر : 71 ، 72 ] الآية .

وانتصاب { وثاقه } كانتصاب { عذابه } على المفعولية المطلقة لمعنى التشبيه .