التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

وقوله - سبحانه - : { وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش } بيان لحالة أخرى من الأحوال التى يكون عليها هذا الكون يوم القيامة .

والعهن : الصوف ذو الألوان المتعددة ، والمنفوش : المفرق بعضه عن بعض .

أي : وتكون الجبال فى ذلك اليوم ، كالصوف الذى ينفش ويفرق باليد ونحوها ، لخفته وتناثر أجزائه ، حتى يسهل غزله .

والمتأمل فى هذه الآيات الكريمة ، يراها قد اشتملت على أقوى الأساليب وأبلغها ، فى التحذير من أهوال يوم القيامة ، وفى الحض على الاستعداد له بالإِيمان والعمل الصالح ؛ لأنها قد ابتدأت بلفظ القارعة ، المؤذن بأمر عظيم ، ثم ثنت بالاستفهام المستعمل فى التهويل ، ثم أعادت اللفظ بذاته بدون إضمار له زيادة فى تعظيم أمره ، ثم جعلت الخطاب لكل من يصلح له ، ثم شبهت الناس تشبيها تقشعر منه الجلود ، ثم وصفت الجبال - وهي المعروفة بصلابتها ورسوخها - بأنها ستكون فى هذا اليوم كالصوف المتناثر الممزق .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

{ وتكون الجبال كالعهن } كالصوف ذي الألوان ، المنفوش : المندوف ، لتفرق أجزائها وتطايرها في الجو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

واختلف اللغويون في «العهن » ، فقال أكثرهم : هو الصوف عاماً ، وقال آخرون : وهو الصوف الأحمر ، وقال آخرون : هو الصوف الملون ألواناً ، واحتج بقول زهير :

كأن فتات العهن في كل منزل . . . نزلن به حب الفنا لم يحطم{[11959]}

والفنا : عنب الثعلب ، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر ، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وسود وصفر ، فجاء التشبيه ملائماً ، وكون { الجبال كالعهن } ، إنما هو وقت التفتيت قبل النسف ومصيرها هباء ، وهي درجات ، والنفش : خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها ، وفي قراءة ابن مسعود وابن جبير : «كالصوف المنفوش » .


[11959]:البيت من معلقة زهير، والفتات: اسم لما انفت وتقطع من الشيء، والعهن: الصوف المصبوغ الملون، وجمعه عهون، وحب الفنا: حب عنب الثعلب، والتحطم: التكسر، والضمير في (نزلن) يعود على "الظعائن" اللاتي يتحدث عنهن، وقد ذكرهن في بيت سابق حين قال: (تبصر خليلي هل ترى من ظعائن)، ومعنى البيت: كأن قطع الصوف المصبوغ الذي زينت به الهوادج في كل منزل نزلت به هؤلاء النسوة حب عنب الثعلب الذي لم يتحطم، لأنه إذا تحطم ذهبت ألوانه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

وجملة : { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } معترضة بين جملة { يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } وجملة : { فأما من ثقلت موازينه } [ القارعة : 6 ] الخ . وهو إدماج لزيادة التهويل .

ووجه الشبه كثرة الاكتظاظ على أرض المحشر .

والعِهن : الصوف ، وقيل : يختص بالمصبوغ الأحمر ، أو ذي الألوان ، كما في قول زهير :

كأنَّ فُتات العِهن في كل منزلٍ *** نَزَلْنَ به حبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ

لأن الجبال مختلفة الألوان بحجارتها ونبتها قال تعالى : { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } [ فاطر : 27 ] .

والمنفوش : المفرق بعض أجزائه عن بعض ليغزل أو تحشى به الحشايا ، ووجه الشبه تفرق الأجزاء لأن الجبال تندكّ بالزلازل ونحوها فتتفرق أجزاءً .

وإعادة كلمة { تكون } مع حرف العطف للإِشارة إلى اختلاف الكونين فإن أولهما كونُ إيجاد ، والثاني كون اضمحلال ، وكلاهما علامة على زوال عالم وظهور عالم آخر .

وتقدم قوله تعالى { وتكون الجبال كالعهن } في سورة المعارج ( 9 ) .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول : تكون الجبال يومئذ بعد القوة والشدة كالصوف المندوف ... فما حالك يومئذ يا ابن آدم ؟ قال : كالصوف المنفوش في الوهن ، أوهن ما يكون الصوف إذا نفش . ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره : ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش ، والعِهْن : هو الألوان من الصوف ....وذُكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

قال بعضهم : كالصوف المصبوغ ، وقال بعضهم : كالمندوف من الصوف . فإن كان على التأويل الأول فمعناه ، والله أعلم ، أن الجبال في ذلك اليوم تتلون ألوانا من شدة ذلك اليوم بلون العهن ، ألا تراه يقول : { وترى الجبال تحسبها جامدة } ( النمل : 88 ) ، ويقول : { ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا } ( طه : 105 ) فكذلك هذا على ذلك المعنى . وإن كان على التأويل الآخر فمعناه : أن الجبال مع شدتها وصلابتها تصير في الرخاوة والضعف من هول ذلك اليوم كالصوف المندوف ، إن ذلك أضعف أحواله ...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

وقال { كالْعِهْنِ المَنْفُوشِ } لخفته ، وضعفه ، فشبه به الجبال لخفتها ، وذهابها بعد شدَّتها وثباتها .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ وتكون الجبال } على ما هي عليه من الشدة والصلابة ، وأنها صخور راسخة { كالعهن } أي الصوف المصبوغ ؛ لأنها ملونة ، ... { المنفوش } أي المندوف المفرق الأجزاء الذي ليس هو بمتلبد شيء منه على غيره ، فتراها لذلك متطايرة في الجو كالهباء المنثور حتى تعود الأرض كلها لا عوج فيها ولا أمتاً .