إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ} (5)

{ وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش } أي كالصوفِ الملونِ بالألوانِ المختلفةِ المندوفِ في تفرقِ أجزائِها وتطايرِها في الجوِّ حسبَما نطقَ بهِ قولُه تعالَى : { وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب } [ سورة النمل ، الآية 88 ] وكِلا الأمرينِ من آثارِ القارعةِ بعد النفخةِ الثانيةِ عندَ حشرِ الخلقِ ، يبدلُ الله عزَّ وجلَّ الأرضَ غيرَ الأرضِ ، ويغيرُ هيئاتِها ، ويسيرُ الجبالَ عن مقارِّهَا ، عَلى ما ذُكِرَ منَ الهيئات الهائلةِ ، ليشاهدَها أهلُ المحشرِ ، وهيَ وإنْ اندكتْ وتصدعتْ عندَ النفخةِ الأُولى لكنْ تسييرها وتسويةَ الأرضِ إنما يكونانِ بعد النفخةِ الثانيةِ ، كما ينطقُ به قولُه تعالَى : { وَيَسألُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعي } [ سورة طه ، الآية 105 ] وقولُه تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُوا للَّهِ الواحد القَهَّارِ } [ سورة إبراهيم ، الآية 48 ] فإن اتّباعَ الداعِي الذي هُو إسرافيلُ عليهِ السلامُ ، وبروزُ الخلقِ لله سبحانَهُ ، لا يكونُ إلا بعدَ البعثِ قطعاً ، وقد مرَّ تمامُ الكلامِ في سورةِ النمل .