التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ} (4)

ثم فصل - سبحانه - أحوال بعض الذين كذبوا بالساعة ، وبين ما ترتب على تكذيبهم من عذاب أليم فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة . فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية . وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } .

وثمود : هم قوم صالح - عليه السلام - ، سموا بذلك باسم جدهم ثمود . وقيل سموا بذلك لقلة المياه التى كانت فى مساكنهم ، لأن الثمد هو الماء القليل .

وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام . وما زالت أماكنهم معروفة باسم قرى صالح وتقع بين المملكة الأردنية الهاشمية ، والمملكة العربية السعودية .

وقد ذكرت قصتهم فى سور : الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والنمل ، والقمر . . إلخ .

وأما عاد فهم قبيلة عاد ، سوموا بذلك نسبة إلى جدهم الذى كان يسمى بهذا الاسم ، وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حِقف وهو الرمل الكثير المائل . . وينتهى نسب عاد وثمود إلى نوح - عليه السلام - .

والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا شديدا ، ومنه قوارع الدهر ، أى : شدائده وأهواله ، ويقال : قرع فلان البعير ، إذا ضربه ومنه قولهم : العبد يقرع بالعصا .

ولفظ القارعة ، من أسماء يوم القيامة ، وسمى يوم القيامة بذلك ، لأنه يقرع القلوب ويزجرها لشدة أهواله : وهو صفة لموصوف محذوف ، أى : بالساعة القارعة .

والطاغية من الطغيان وهو تجاوز الحد ، والمراد بها هنا الصاعقة أو الصيحة التى أهلكت قوم ثمود ، كما قال - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } والعاتية من العتو بمعنى الشدة والقوة وتجاوز الحد .

أى : كذبت قبيلة ثمود ، وقبيلة عاد ، بالقيامة التى تقرع القلوب ، وتزلزل النفوس ، لإأما قبيلة " ثمود " فأهلكوا ، بالصيحة أو بالصاعقة ، أو بالرجفة ، التى تجاوزت الحد فى الشدة والهول والطغيان .

وأما قبيلة عاد ، فأهلكت بالريح الشديدة ، التى لها صوت عظيم ، والتى تجاوزت كل حد فى قوتها .

وابتدأ - سبحانه - بذكر ما أصاب هاتين القبيليتين ، لأنهما أكثر القبائل المكذبة معرفة لمشركى قريش ، لأنهما من القبائل العربية ، ومساكنها كانت فى شمال وجنوب الجزيرة العربية .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ} (4)

كذبت ثمود وعاد بالقارعة بالحالة التي تقرع فيها الناس بالإفزاع والأجرام بالانفطار والانتشار وإنما وضعت موضع ضمير الحاقة زيادة في وصف شدتها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ} (4)

ثم ذكر تعالى تكذيب { ثمود وعاد } بهذا الأمر الذي هو حق مشيراً إلى أن من كذب بذلك ينزل عليه مثل ما نزل بأولئك . و { القارعة } من أسماء القيامة أيضاً ، لأنها تقرع القلوب بصدمتها ، و { ثمود } اسم عربي معرفة ، فإذا أريد به القبيلة لم ينصرف ، وإذا أريد به الحي انصرف ، وأما { عاد } : فكونه على ثلاثة أحرف ساكن الوسط دفع في صدر كل علة فهو مصروف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ} (4)

إن جعلتَ قوله : { ومَا أدراك ما الحاقّة } [ الحاقة : 3 ] نهايةَ كلام فموقع قوله : { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } وما اتصل به استئناف ، وهو تذكير بما حل بثمود وعاد لتكذيبهم بالبعث والجزاء تعريضاً بالمشركين من أهل مكة بتهديدهم أن يحق عليهم مثل ما حل بثمود وعاد فإنهم سواء في التكذيب بالبعث وعلى هذا يكون قوله { الحاقّة } [ الحاقة : 1 ] الخ توطئة له وتمهيداً لهذه الموعظة العظيمة استرهاباً لنفوس السامعين .

وإن جعلتَ الكلام متصلاً بجملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } وعيّنت لفظ { الحاقّة } [ الحاقة : 1 ] ليوم القيامة وكانت هذه الجملة خبراً ثالثاً عن { الحاقّة } [ الحاقة : 1 ] .

والمعنى : الحاقة كذبت بها ثمود وعاد ، فكان مقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير { الحاقّة } [ الحاقة : 1 ] فيقال : كذبت ثمودُ وعادٌ بها ، فعدل إلى إظهار اسم ( القارعة ) لأن ( القارعة ) مرادفةالحاقة في أحد محملي لفظ { الحاقة } [ الحاقة : 1 ] ، وهذا كالبيان للتهويل الذي في قوله : { وما أدراك ما الحاقّة } [ الحاقة : 3 ] .

و ( القارعة ) مراد منها ما أريد ب { الحاقّة } [ الحاقة : 1 ] .

وابتدىء بثمود وعاد في الذكر من بين الأمم المكذبة لأنهما أكثر الأمم المكذبة شهرة عند المشركين من أهل مكة لأنهما من الأمم العربية ولأن ديارهما مجاورة شمالاً وجنوباً .

والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضرباً قوياً ، يقال : قرع البعير . وقالوا : العبد يقرع بالعصا ، وسميت المواعظ التي تنكسر لها النفس قوارعَ لما فيها من زجر الناس عن أعمال . وفي المقامة الأولى « ويقْرَع الأسماعَ بزواجر وعِظه » ، ويقال للتوبيخ تقريع ، وفي المثل « لا تُقرع له العصا ولا يُقلقل له الحصا » ، ومورده في عامر بن الظرب العَدواني في قصة أشار إليها المتلمس في بيت .

ف ( القارعة ) هنا صفة لموصوف محذوف يقدر لفظه مؤنثاً ليوافق وصفَه المذكور نحو الساعة أو القيامة . القارعةِ : أي التي تصيب الناس بالأهوال والأفزاع ، أو التي تصيب الموجودات بالقَرع مثل دك الجبال ، وخسف الأرض ، وطَمس النجوم ، وكسوف الشمس كسوفاً لا انجلاء له ، فشبه ذلك بالقرع .

ووصف { الساعة } [ الأعراف : 187 ] أو { القيامة } [ البقرة : 85 ] بذلك مجاز عقلي من إسناد الوصف إلى غير ما هو له بتأوُّللٍ لملابسته ما هو له إذ هي زمان القرع قال تعالى : { القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث } [ القارعة : 14 ] . وهي ما سيأتي بيانها في قوله : { فإذا نفخ في الصور نفخةٌ واحدة } الآيات [ الحاقة : 13 ] .

وجيء في الخبر عن هاتين الأمتين بطريقة اللف والنشر لأنهما اجتمعتا في موجب العقوبة ثم فصل ذكر عذابهما .