التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ} (38)

وبعد هذا العرض - الذى بلغ الذروة فى قوة التأثير - لأهوال يوم القيامة ، ولبيان حسن عاقبة المتقين ، وسوء عاقبة المكذبين . . بعد كل ذلك أخذت السورة فى أواخرها ، فى تقرير حقيقة هذا الدين ، وفى تأكيد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ، وفى بيان أن هذا القرآن من عنده - تعالى - وحده . . فقال - سبحانه - :

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا . . . } .

الفاء فى قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } للتفريع على ما فهم مما تقدم ، من

إنكار المشركين ليوم القيامة ، ولكون القرآن من عند الله .

و { لا } فى مثل هذا التركيب يرى بعضهم أنها مزيدة ، فيكون المعنى : أقسم بما تبصرون من مخلوقاتنا كالسماء والأرض والجبال والبحار . . وبما لا تبصرون منها ، كالملائكة والجن .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ} (38)

فلا أقسم لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم أو ف أقسم و لا مزيدة أو فلا رد لإنكارهم البعث و أقسم مستأنف بما تبصرون * وما لا تبصرون بالمشاهدات والمغيبات وذلك يتناول الخالق والمخلوقات بأسرها .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ} (38)

وقوله تعالى : { فلا أقسم } ، قال بعض النحاة «لا » زائدة والمعنى : فأقسم ، وقال آخرون منهم : «لا » رد لما تقدم من أقوال الكفار ، والبداءة { أقسم } وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «فلأقسم » ، لام القسم معها ألف أقسم{[11299]} ، وقوله تعالى : { بما تبصرون وما لا تبصرون } . قال قتادة بن دعامة : أراد الله تعالى أن يعمم في هذا القسم جميع مخلوقاته . وقال غيره : أراد الأجساد والأرواح . وهذا قول حسن عام ، وقال ابن عطاء : «ما تبصرون » ، من آثار القدرة { وما لا تبصرون } من أسرار القدرة ، وقال قوم : أراد بقوله : { وما لا تبصرون } الملائكة .


[11299]:قال أبو الفتح في تخريج هذه القراءة: "هذا فعل الحال، وهناك مبتدأ محذوف، أي: لأنا أقسم، فدل ذلك على أن جميع ما في القرآن من الأقسام إنما هو على حاضر الحال"، وتبع الزمخشري أبا الفتح فيما قال، لكن أبا حيان الأندلسي عارضها فقال: "إنما ذهبا إلى ذلك لأنه فعل حال، وفي القسم عليه خلاف، والذي اختاره ابن عصفور وغيره أن فعل الحال لا يجوز أن يقسم عليه". (راجع المحتسب لابن جني، وتفسير الزمخشري، والبحر المحيط).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَا تُبۡصِرُونَ} (38)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

من الخلق.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فلا، ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله، "أقسم " بالأشياء كلها التي تبصرون منها، والتي لا تبصرون.

عن ابن عباس، في قوله: "فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ" يقول: بما ترون وبما لا ترون.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{فلا أقسم بما تبصرون} {وما لا يبصرون} قد وصفنا أن تأويل قوله: {فلا أقسم بما تبصرون} من خلق السماوات والأرض وأنفسكم من الأسماع والأبصار والقلوب والعقول، أو ما تبصرون من الخلائق ممن حضركم {وما لا تبصرون} من الخلائق إن غاب عنكم. فيكون القسم بما نبصر وما لا نبصر قسما بالخلائق أجمع، لأن جملة الخلائق على هذين الوجهين: فصنف يرى، وصنف لا يرى. وقد ذكرنا أن القسم من الله عز وجل لتأكيد ما يقصد إليه مما يعرف بالتدبر والتأمل.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أنه تعالى لما أقام الدلالة على إمكان القيامة، ثم على وقوعها، ثم ذكر أحوال السعداء وأحوال الأشقياء، ختم الكلام بتعظيم القرآن.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

يقول تعالى مُقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فلا أقسم} أي لا يقع مني إقسام {بما} أي بمجموع ما {تبصرون} أي لكم أهلية إبصاره من كل ما دخل في عالم الشهادة.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وفي ظل هذه المشاهد العنيفة المثيرة، المتوالية منذ أول السورة، مشاهد الأخذ في الدنيا والآخرة، ومشاهد التدمير الكونية الشاملة، ومشاهد النفوس المكشوفة العارية، ومشاهد الفرحة الطائرة والحسرة الغامرة..

في ظل هذه المشاهد العميقة الأثر في المشاعر يجيء التقرير الحاسم الجازم عن حقيقة هذا القول الذي جاءهم به الرسول الكريم، فتلقوه بالشك والسخرية والتكذيب:

(فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. إنه لقول رسول كريم. وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون. ولا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون. تنزيل من رب العالمين)..

إن الأمر لا يحتاج إلى قسم وهو واضح هذا الوضوح، ثابت هذا الثبوت، واقع هذا الوقوع. لا يحتاج إلى قسم أنه حق، صادر عن الحق، وليس شعر شاعر، ولا كهانة كاهن، ولا افتراء مفتر! لا. فما هو بحاجة إلى توكيد بيمين:

(فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون)..

بهذه الفخامة وبهذه الضخامة، وبهذا التهويل بالغيب المكنون، إلى جانب الحاضر المشهود.. والوجود أضخم بكثير مما يرى البشر. بل مما يدركون. وما يبصر البشر من الكون وما يدركون إلا أطرافا قليلة محصورة، تلبي حاجتهم إلى عمارة هذه الأرض والخلافة فيها -كما شاء الله لهم- والأرض كلها ليست سوى هباءة لا تكاد ترى أو تحس في ذلك الكون الكبير. والبشر لا يملكون أن يتجاوزوا ما هو مأذون لهم برؤيته وبإدراكه من هذا الملك العريض، ومن شؤونه وأسراره ونواميسه التي أودعها إياه خالق الوجود..

(فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون)..

ومثل هذه الإشارة تفتح القلب وتنبه الوعي إلى أن هناك وراء مد البصر ووراء حدود الإدراك جوانب وعوالم وأسرارا أخرى لا يبصرها ولا يدركها. وتوسع بذلك آفاق التصور الإنساني للكون والحقيقة. فلا يعيش الإنسان سجين ما تراه عيناه، ولا أسير ما يدركه وعيه المحدود. فالكون أرحب والحقيقة أكبر من ذلك الجهاز الإنساني المزود بقدر محدود من الطاقة يناسب وظيفته في هذا الكون. ووظيفته في الحياة الدنيا هي الخلافة في هذه الأرض.. ولكنه يملك أن يكبر ويرتفع إلى آماد وآفاق أكبر وأرفع حين يستيقن أن عينه ومداركه محدودة، وأن هناك وراء ما تدركه عينه ووعيه عوالم وحقائق أكبر -بما لا يقاس- مما وصل إليه.. عندئذ يتسامى على ذاته ويرتفع على نفسه، ويتصل بينابيع المعرفة الكلية التي تفيض على قلبه بالعلم والنور والاتصال المباشر بما وراء الستور!

إن الذين يحصرون أنفسهم في حدود ما ترى العين، ويدرك الوعي، بأدواته الميسرة له.. مساكين! سجناء حسهم وإدراكهم المحدود. محصورون في عالم ضيق على سعته، صغير حين يقاس إلى ذلك الملك الكبير..

وفي فترات مختلفة من تاريخ هذه البشرية كان كثيرون أو قليلون يسجنون أنفسهم بأيديهم في سجن الحس المحدود، والحاضر المشهود؛ ويغلقون على أنفسهم نوافذ المعرفة والنور، والاتصال بالحق الكبير، عن طريق الإيمان والشعور. ويحاولون أن يغلقوا هذه النوافذ على الناس بعد ما أغلقوها على أنفسهم بأيديهم.. تارة باسم الجاهلية. وتارة باسم العلمانية! وهذه كتلك سجن كبير. وبؤس مرير. وانقطاع عن ينابيع المعرفة والنور!

والعلم يتخلص في هذا القرن الأخير من تلك القضبان الحديدية التي صاغها -بحمق وغرور- حول نفسه في القرنين الماضيين.. يتخلص من تلك القضبان، ويتصل بالنور -عن طريق تجاربه ذاتها- بعد ما أفاق من سكرة الغرور والاندفاع من أسر الكنيسة الطاغية في أوربا؛ وعرف حدوده، وجرب أن أدواته المحدودة تقوده إلى غير المحدود في هذا الكون وفي حقيقته المكنونة. وعاد "العلم يدعو إلى الإيمان " في تواضع تبشر أوائله بالفرج! أي نعم بالفرج. فما يسجن الإنسان نفسه وراء قضبان المادة الموهومة إلا وقد قدر عليه الضيق!