التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

لقد بين - سبحانه - بعد ذلك ما يقال للمجرمين فقال : { وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون } أى : ويقال للمجرمين فى هذا اليوم - على سبيل الزجر والتأنيب انفردوا - أيها المجرمون - عن المؤمنين ، واتجهوا إلى ما أعد لكم من عذاب فى جهنم ، بسبب كفركم وجحودكم للحق .

يقال : امتاز وتميز القوم بعضهم عن بعض ، إذا انفصل كل فريق عن غيره .

قال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ . فَأَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ . وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة فأولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

يقول تعالى مخبرًا عمّا يؤول إليه حال الكفار يوم القيامة من أمره لهم أن يمتازوا ، بمعنى :{[24789]} يتميزون عن المؤمنين في موقفهم ، كقوله تعالى : { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [ يونس : 28 ] ، وقال تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } [ الروم : 14 ] ، { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صدْعَين فرقتين ، { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } [ الصافات : 22 ، 23 ] .


[24789]:- في ت : "يعنى".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱمۡتَٰزُواْ ٱلۡيَوۡمَ أَيُّهَا ٱلۡمُجۡرِمُونَ} (59)

يجوز أن يكون عطفاً على جملة { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليوم في شُغُلٍ فاكِهُونَ } [ يس : 55 ] ويجوز أن يعطف على { سَلامٌ قَوْلاً } [ يس : 58 ] ، أي ويقال : امتازوا اليوم أيها المجرمون ، على الضد مما يقال لأصحاب الجنة . والتقدير : سلام يقال لأهل الجنة قولاً ، ويقال للمجرمين : امتازوا ، فتكون من توزيع الخطابين على مخاطَبيْن في مقام واحد كقوله تعالى : { يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك } [ يوسف : 29 ] .

وامتاز مطاوع مَازه ، إذا أفرده عما كان مختلطاً معه ، وُجِّه الأمر إليهم بأن يمتازُوا مبالغة في الإِسراع بحصول الميز لأن هذا الأمر أمر تكوين فعبر عن معنى . فيكونُ الميز بصوغ الأمر من مادة المطاوعة ، فإن قولك : لتنكَسِرْ الزجاجةُ أشد في الإِسراع بحصول الكسر فيها من أن تقول : اكسروا الزجاجة . والمراد : امتيازهم بالابتعَاد عن الجنة ، وذلك بأن يصيروا إلى النار فيؤول إلى معنى : ادخلوا النار . وهذا يقتضي أنهم كانوا في المحشر ينتظرون ماذا يفعل بهم كما أشرنا إليه عند قوله تعالى آنفاً : { إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون } [ يس : 55 ] ، فلما حُكي ما فيه أصحاب الجنة من النعيم حين يقال لأصحاب النار : { فاليوم لا تظلم نفس شيئاً } [ يس : 54 ] ، حُكي ذلك ثم قيل للمشركين { وامتازوا اليوم أيُّها المُجرمون } .

وتكرير كلمة { اليَوْمَ } ثلاث مرات في هذه الحكاية للتعريض بالمخاطبين فيه وهم الكفار الذين كانوا يجحدون وقوع ذلك اليوم مع تأكيد ذكره على أسماعهم بقوله : { فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ } [ يس : 54 ] وقوله : { إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليومَ في شُغُل } [ يس : 55 ] وقوله : { امتازوا اليوم أيها المجرمون } .

ونداؤهم بعنوان : { المجرمون } للإِيماء إلى علة ميزهم عن أهل الجنة بأنهم مجرمون ، فاللام في { المُجْرِمُونَ } موصولة ، أي أيها الذين أجرموا .