التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ} (27)

{ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }

ويبدو أن التساؤل والتجادل هنا ، يكون بين الأتباع والمتبوعين ، أو بين العامة والزعماء .

كما تدل عليه آيات منها قوله - تعالى - : { وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ} (27)

يذكر تعالى أن الكفار يتلاومون في عرصات القيامة ، كما يتخاصمون في دَرَكات النار ، { فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ } [ غافر : 47 ، 48 ] . وقال : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ سبأ : 31 - 33 ] . {[24938]}


[24938]:- في ت، س: "المجرمون".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ} (27)

عطف على { مستسلمون } [ الصافات : 26 ] أي استسلموا وعاد بعضهم على بعض باللائمة والمتسائلون : المتقاولون وهم زعماء أهل الشرك ودهماؤهم كما تبينه حكاية تحاورهم من قوله : { وما كان لنا عليكم من سُلطانٍ } وقوله : { فأغْوَيْناكُم } الخ .

وعبر عن إقبالهم بصيغة المضي وهو مما سيقع في القيامة ، تنبيهاً على تحقيق وقوعه لأن لذلك مزيد تأثير في تحذير زعمائهم من التغرير بهم ، وتحذيرِ دهمائهم من الاغترار بتغريرهم ، مع أن قرينة الاستقبال ظاهرة من السياق من قوله : { فإذا هم يَنظُرُون } [ الصافات : 19 ] الآية .

والإِقبال : المجيء من جهة قُبُل الشيء ، أي من جهة وجهه وهو مجيء المتجاهر بمجيئه غير المتختّل الخائف . واستعير هنا للقصد بالكلام والاهتمام به كأنه جاءه من مكان آخر .

فحاصل المعنى حكاية عتاب ولوم توجه به الذين اتبعوا على قادتهم وزعمائهم ، ودلالةُ التركيب عليه أن يكون الإِتيان أطلق على الدعاية والخطابة فيهم لأن الإِتيان يتضمن القصد دون إرادة مجيء ، كقول النابغة :

آتاك امرؤ مسْتبطن لي بِغضَة

وقد تقدم استعماله واستعمال مرادفه وهو المجيء معاً في قوله تعالى : { قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتَيْناكَ بالحَقّ } الآية في سورة [ الحجر : 63 - 64 ] . أو أن يكون اليمين مراداً به جهة الخير لأن العرب تضيف الخير إلى جهة اليمين . وقد اشتقت من اليُمن وهو البركة ، وهي مؤذنة بالفوز بالمطلوب عندهم . وعلى ذلك جرت عقائدهم في زجر الطير والوحش من التيمّن بالسانح ، وهو الوارد من جهة يمين السائر ، والتشاؤم ، أي ترقب ورود الشر من جهة الشِمال .