التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ} (23)

وقوله - سبحانه - : { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه منهم من أذى ، ومن قول باطل .

و ( الكاف ) بمعنى مثل . واسم الإِشارة ذلك بعد إلى حال الكافرين من قبلهم .

أى : لا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما تراه من إعراض المشركين عن دعوتك . فإن شأنهم كشأ ، سابقيهم فى الكفر والضلال ، فإننا ما أرسلنا من قبلك من رسول فى قرية من القرى ، أو فى قوم من الأقوام ، إلا قال المنعمون منهم ، والذين أبطرهم الترف لمن جاءهم بالحق : إنا وجدنا آباءنا على دين وطريقة تؤم وتقصد ، وإنا على آثارهم ، وعلى نهجهم ، مقتدون .

أى : مقتدون بهم فى عبادتهم وأفعالهم .

وخص المترفين بالذكر ، لأنهم القادة الذين صرفهم التنعم وحب الجاه والسلطان ، عن النظر والتدبر والاستماع للحق ، وجعلهم يستحبون العمى على الهدى .

وهنا يحكى القرآن رد الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيقول : { قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ . . } .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ} (23)

ثم بين تعالى أن مقالة هؤلاء قد سبقهم إليها أشباههم ونظراؤهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل ، تشابهت قلوبهم ، فقالوا مثل مقالتهم : { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الذاريات : 52 ، 53 ] ، وهكذا قال هاهنا : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٖ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّقۡتَدُونَ} (23)

جملة معترضة لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تمسك المشركين بدين آبائهم والإشارة إلى المذكور من قولهم : { إنا وجدنا آباءنا على أمةٍ } [ الزخرف : 22 ] ، أي ومثل قولِهم ذلك ، قال المترفون من أهل القُرى المرسل إليهم الرسل من قبلك .

والواو للعطف أو للاعتراض وما الواو الاعتراضية في الحقيقة إلا تعطف الجملة المعترضة على الجملة التي قبلها عطفاً لفظياً .

والمقصود أن هذه شنشنة أهل الضلال من السابقين واللاحقين ، قد استووا فيه كما استووا في مَثاره وهو النظر القاصر المخطىء ، كما قال تعالى : { أتواصوا به بل هم قومٌ طَاغُون } [ الذاريات : 53 ] ، أي بل هم اشتركوا في سببه الباعث عليه وهو الطغيان . ويتضمن هذا تسليةً للرّسول صلى الله عليه وسلم على ما لقيه من قومه ، بأن الرّسل من قبله لَقُوا مثل ما لَقي .

وكاف التشبيه متعلق بقوله : { قال مترفوها } . وقدم على متعلَّقه للاهتمام بهذه المشابهة والتشويق لما يرد بعْدَ اسم الإشارة .

وجملة { إلا قال مترفوها } في موضع الحال لأن الاستثناء هنا من أحوال مقدّرة أي ما أرسلنا إلى أهل قرية في حاللٍ من أحوالهم إلا في حال قوللٍ قاله مترفوها : إنا وجدنا آباءنا الخ .

والمترَفون : جمع المُترف وهو الذي أُعطِي الترف ، أي النعمة ، وتقدم في قوله تعالى : { وارجِعُوا إلى ما أُترفتم فيه } في سورة الأنبياء ( 13 ) .

والمعنى : أنهم مثل قريش في الازدهاء بالنَّعمة التي هم فيها ، أي في بطر نعمة الله عليهم . فالتشبيه يقتضي أنهم مثل الأمم السالفة في سبب الازدهاء وهو ما هم فيه من نَعمة حتى نسوا احتياجهم إلى الله تعالى ، قال تعالى : { وذرْني والمكذبين أولي النَّعمة ومهّلهم قليلاً } [ المزمل : 11 ] .

وقد جاء في حكاية قول المشركين الحاضرين وصفُهم أنفسَهم بأنهم مُهتدون بآثار آبائهم ، وجاء في حكاية أقوال السابقين وصفهم أنفسَهم بأنهم بآبائهم مُقتدون ، لأن أقوال السابقين كثيرة مختلفة يجمع مختلفها أنها اقتداء بآبائهم ، فحكاية أقوالهم من قبيل حكاية القول بالمعنى ، وحكاية القول بالمعنى طريقة في حكاية الأقوال كثر ورودها في القرآن وكلام العرب .