التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، والعكس ، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، ما أعده - سبحانه - للأبرار من خير وفير ، ومن نعيم مقيم ، فقال - تعالى - :

{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار . . . } .

قوله : { كلا } هنا ، تكرير للردع والزجر اسابق فى قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ } لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار فى عليين .

ولفظ " عليين " جمع عِلِّى - بكسر العين وتشديد اللام المكسورة - من العلو . ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد ، وأنه اسم للديوان الذى تكتب فيه أعمال الأبرار .

قال صاحب الكشاف : وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم ، وعليون : علم لديوان الخير ، الذى دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين . منقول من جمع " عِلِّى " بزنة فِعِّيل - بكسر الفاء والعين المشددة - من العلو ، كسِجِّين من السجن . سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات فى الجنة ، وإما لأنه مرفوع فى السماء السابعة . . تكريما له وتعظيما . .

أى : حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار ، لمثبت فى ديوان الخير ، الكائن فى أعلى مكان وأشرفه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

يقول تعالى : حقا { إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ } وهم بخلاف الفجار ، { لَفِي عِلِّيِّينَ } أي : مصيرهم إلى عليين ، وهو بخلاف سجين .

قال الأعمش ، عن شَمر بن عطية ، عن هلال بن يَسَاف قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن سجين ، قال : هي الأرض السابعة ، وفيها أرواح الكفار . وسأله عن عِلّيين فقال : هي السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين . وهكذا قال غير واحد : إنها السماء السابعة .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني : الجنة .

وفي رواية العَوفي ، عنه : أعمالهم في السماء عند الله . وكذا قال الضحاك .

وقال قتادة : عليون : ساق العرش اليمنى . وقال غيره : عليون عند سدرة المنتهى .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

كلا تكرير ليعقب بوعد الأبرار كما عقب الأول بوعيد الفجار إشعارا بأن التطفيف فجور والإيفاء بر أو ردع عن التكذيب إن كتاب الأبرار لفي عليين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلۡأَبۡرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} (18)

{ كلاّ } .

ردع وإبطال لما تضمنه ما يقال لهم : { هذا الذي كنتم به تكذبون } [ المطففين : 17 ] فيجوز أن تكون كلمة { كلا } مما قيل لهم مع جملة { هذا الذي كنتم به تكذبون } ردعاً لهم فهي من المحكى بالقول .

ويجوز أن تكون معترضة من كلام الله في القرآن إبطالاً لتكذيبهم المذكور .

{ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلِّيِّينَ } .

يظهر أن هذه الآيات المنتهية بقوله : { يشهده المقربون } من الحكاية وليست من الكلام المحكي بقوله : { ثم يقال } الخ ، فإن هذه الجملة بحذافرها تشبه جملة : { إن كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين : 7 ] الخ أسلوباً ومقابلةً . فالوجه أن يكون مضمونها قسيماً لمضمون شبيهها فتحصلُ مقابلة وعيد الفجار بوعد الأبرار ومن عادة القرآن تعقيب الإنذار بالتبشير والعكس لأن الناس راهب وراغب فالتعرضُ لنعيم الأبرار إدماج اقتضته المناسبة وإن كان المقام من أول السورة مقام إنذار .

ويكون المتكلم بالوعد والوعيد واحداً وجَّه كلامه للفجار الذين لا يظنون أنهم مبعوثون ، وأعقبه بتوجيه كلام للأبرار الذين هم بضد ذلك ، فتكون هذه الآيات معترضة متصلة بحرف الردع على أوضح الوجهين المتقدمين فيه .

ويجوز أن تكون من المحكي بالقول في : { ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } [ المطففين : 17 ] فتكون محكية بالقول المذكور متصلة بالجملة التي قبلها وبحرف الإبطال على أن يكون القائلون لهم : { هذا الذي كنتم به تكذبون } على وجه التوبيخ ، أعقبوا توبيخهم بوصف نعيم المؤمنين بالبعث تنديماً للذين أنكروه وتحسيراً لهم على ما أفاتوه من الخير .

و { الأبرار } : جمع بر بفتح الباء ، وهو الذي يعمل البِر ، وتقدم في السورة التي قبل هذه .

والقول في الكتاب ومظروفيته في عِلِّيين ، كالقول في { إن كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين : 7 ] .